الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008

هل يتأثر المواطن المصري العادي بالأزمة العالمية؟!


اجمع المسئولين الرسميين علي أن مصر لن تتأثر بالأزمة المالية العالمية التي هزت عروش اقوي الدول ، بل وصرح البعض بأن لدينا أنظمة رقابية أقوي من أمريكا وأوروبا . وذكرني ذلك الموقف بشخصية وزير الصحة في فيلم النوم في العسل بعد انتشار العجز الجنسي بين كل سكان مصر بأن تحدث في لقاء تليفزيوني وطالب المواطنين بالوقوف أمام المرآة ثلاث مرات في اليوم مرددين " أنا جامد ، أنا حديد ، أنا زى الفل " وتنتهي الأزمة. نفس الفكرة يرددها جميع المسئولين ورغم كلامهم إننا لن نتأثر والمواطن العادي لن يتأثر نجد وزير المالية يحدثنا عن 15 مليار جنيه إضافي سيتم ضخها في الميزانية لمواجهة الأزمة، وتحدث وزير التنمية الاقتصادية بأن خسائر مصر بحدود 25 مليار جنيه.[1] من الذي سيتحمل هذه الخسائر؟!!
تري ما الذي دفع الأستاذ محمد عطا عبدالوهاب الموجه بالتربية والتعليم في مغاغة إلي قتل زوجته واحدي بناته وإشعال النار في أفراد أسرته؟!
[2]هل تأثر بالأزمة رغم كل تصريحات المسئولين؟!!!أم انه انتحر لأنه لم يتأثر!!!
لقد صرح الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية المصري في تصريحات لرويترز إن التأثير المالي للازمة العالمية على الاقتصاد المصري سيكون محدودا ولكنها لن تتفادى على الأرجح التبعات الاقتصادية للازمة.
[3]بينما أوضح د. هاني سري الدين أستاذ القانون والرئيس السابق لهيئة سوق المال أن البورصة المصرية كانت من أكثر بورصات المنطقة تضرراً بالأزمة المالية.وأوضح أن تضررها كان كبيرا حيث تراجعت يوم الثلاثاء الأسود 7 أكتوبر بمعدل 16% في وقت كانت فيه معدلات الهبوط في البورصات الأخرى الإقليمية والعالمية ما بين 6 و9%. وأرجع سري الدين ذلك التراجع إلى عوامل هيكلية تتعلق بطبيعة البورصة المصرية، والتي يسيطر على التعامل فيها الأفراد وليس المؤسسات سواء كانوا مصريين أو أجانب.[4] لذلك خسر المئات من صغار المستثمرين تحويشة العمر في البورصة وكانت حالة الأستاذ محمد عطا هي مجرد الجزء العائم من جبل الجليد الذي أصاب صغار المتعاملين.
أشكال التأثير المباشر
ـ بشرنا المسئولين بانخفاض السعر العالمي للمواد الغذائية والحديد وفعلياً انخفضت أسعار بعض المواد الغذائية جنيه و 2 جنيه وفي نفس الوقت ارتفعت أسعار الكهرباء والتليفونات الأرضية وبذلك طالت الأزمة الجميع. إضافة إلي معاودة أسعار الحديد للارتفاع في ظل الاحتكار الحالي والقيود التي يفرضها مافيا الحديد علي الاستيراد . ألا يتأثر بذلك ملايين المصريين، ألا ينعكس ذلك علي صناعة المقاولات وسوق العقار!!!.
ـ توجد معدلات بطالة مرتفعة في مصر تصل إلي أكثر من 9% من قوة العمل وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وبحث العمالة بالعينة لعام 2007 حيث تم تقدير عدد العاطلين بنحو 2.1 مليون عاطل . يضاف إليهم الداخلين الجدد لسوق العمل كل عام والخريجين . كم سيبلغ عددهم في ظل الأزمة التي لم نتأثر بها!!!!
ـ تنعكس الأزمة العالمية علي الكثير من القطاعات الاقتصادية حيث نتوقع انخفاض تدفق السائحين لمصر خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والتي تمثل حوالي 60% من حجم السياحة الوافدة لمصر ورغم نمو أعداد السائحين خلال السنوات الماضية حتى وصل إلي 12.1 مليون سائح عام 2006 إلا أن نسب الأشغال في الفنادق والقرى السياحية لم تتجاوز 62% وتصل إلي 45% في الأقصر 29% في أسوان و44% في الإسكندرية.
ماذا سيحدث لو انخفض عدد السياح من أوروبا وأمريكا بمقدار الربع أي 1.7 مليون سائح هل تستمر الفنادق والقرى السياحية تحافظ علي 135 ألف شخص يعملون بها . ألن تفكر في توفير جزء من هذه العمالة . ألا تتأثر الصناعات والمشروعات المغذية للقطاع السياحي بدء من مصانع الأثاث والمفروشات وانتهاء بالمصانع الغذائية و أفران الخبز . ألا يؤثر ذلك علي دخل الآلاف من المصريين المرتبطين بقطاع السياحة؟!!!
ـ أكد النائب مصطفي السلاب وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب أنه يوجد 1300 مصنع تحت الإنشاء مهددة بالتوقف بسبب الأزمة.
[5] كما صرح يحي زنانيري رئيس جمعية منتجي الملابس الجاهزة أن صادرات الكويز ستنخفض بنسبة 20% لأن 95% منها كان يوجه للولايات المتحدة وأوروبا وأن السوق الأمريكي كان يستوعب 65% من الصادرات ولذلك يوجد 200 مصنع ملابس جاهزة ستتأثر بالأزمة.[6]
ـ كما طالب فاروق شلش عضو غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية بضرورة إيقاف الواردات المصرية من الخارج لحماية الصناعة الوطنية حيث أن 20% من المصانع مهددة بالإغلاق .[7] وتشكو 80% من مصانع الوبريات والمفروشات من الإغلاق لأنها كانت تعتمد علي التصدير لدول الاتحاد الأوروبي . كما تراجعت صادرات الأسمدة 15%.[8]
ـ إن انخفاض مصادر النقد الأجنبي سيؤدي لارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه ومن ثم المزيد من ارتفاع الأسعار خاصة للسلع الغذائية والأدوية المستوردة وفي ظل واردات تزيد قيمتها علي 152 مليار جنيه.وفي ظل انخفاض الصادرات وثبات الواردات ولن نقول زيادتها . سيرتفع عجز الميزان التجاري الذي بلغ 61 مليار جنيه عام 2007.
أشكال التأثير غير المباشر
ـ انخفاض تحويلات المصريين العاملين في الخارج حيث كانت تحويلات العاملين في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا تصل إلي 3 مليار دولار في عام 2007/2008 ستنخفض بفعل الأزمة.كما أن تدهور سعر البترول سيؤدي لانكماش وركود في دول الخليج وتخفيض في أعداد ومرتبات العاملين المصريين هناك . ألا يؤثر ذلك علي المواطن المصري؟!!!!
ـ بلغت عائدات المرور في قناة السويس 4.7 مليار جنيه عام 2007 ومع الأزمة وتأثر حركة التجارة الدولية سيقل عدد السفن العابرة بالقناة ، كما أن انتشار القرصنة في البحر الأحمر ينعكس علي الملاحة في قناة السويس وهي من المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي في مصر.
ـ تستثمر البنوك المصرية 5.7 مليار جنيه في بنوك خارجية حتى يونيو عام 2007
[9] كما بلغ صافي الأصول الأجنبية بالبنوك 45.2 مليار جنيه .
ـ تشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول الأزمة 67% عام 2006/2007 منها 4.7 مليار دولار من الولايات المتحدة و 4 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي . هل يستمر تدفق هذه الاستثمارات خلال الأعوام القادمة رغم الأزمة ؟!!!!
ـ يوجد 1067 شركة مصرية خالصة تواجه كارثة الركود في الأسواق السعودية ، كما يواجه رجال الأعمال خسائر فادحة تبلغ 150 مليار دولار معلنة و300 مليار سرية في أسواق العالم. وأن أحمد عز وساويرس من كبار المتأثرين بالأزمة.
[10] كما يمتلك محمد فريد خميس مصنعين أحدهما في الصين والآخر في الولايات المتحدة تم تخفيض الإنتاج بهم ويمكن إغلاق احد هذه المصانع. ألا تؤثر هذه الأزمة علي استثماراتهم داخل مصر؟!!!
بعد ذلك علينا أن نصدق تصريحات المسئولين بأننا لن نتأثر بالأزمة وان اقتصادنا جامد .. اقتصادنا قوي .. اقتصادنا زى الفل وزى الحديد. وأن المواطن العادي لن يتأثر بالأزمة!!!
إلهامي الميرغني
eme55@hotmail.com
21/11/2008
[1] ـ جريدة نهضة مصر ـ 2/11/2008
[2] ـ جريدة الأهرام ـ 16/10/2008
[3] ـ وكالة رويتر ـ 14/10/2008.
[4] ـ الجزيرة نت ـ عبد الحافظ الصاوي-القاهرةـ التحديات المصرية لمواجهة آثار الأزمة المالية العالميةـ 22/10/2008.
[5] جريدة الأحرار 4/11/2008.
[6] جريدة العالم اليوم 28/10/2008 .
[7] جريدة البديل 25/10/2008.
[8] جريدة الأحرار 28/10/2008.
[9] البنك الأهلي المصري ـ النشرة الاقتصادية ـ العدد الأول ـ 2008 .
[10] جريدة الدستور 22/10/2008.

الخميس، 11 ديسمبر 2008

التمييز الايجابي وقضية الديمقراطية والمواطنة المتساوية في مصر


عرفت مصر قبل يوليو 1952 أنواع من التمييز السلبي في التجربة الديمقراطية تمثل في شرط الملكية الزراعية لتولي مناصب العمد وعضوية مجلس النواب( البرلمان).وعندما جاءت ثورة يوليو وعدت بالقضاء علي ديمقراطية النصف في المائة وتمكين الفقراء وعندما تطورت صيغة التمثيل الديمقراطي الناصري في لجان الاتحاد الاشتراكي وعضوية مجلس الشعب وعضوية مجالس إدارات الشركات العامة. طبقت نسبة 50% من العمال والفلاحين علي هذه التشكيلات كنوع من التمييز الايجابي لتمثيل العمال والفلاحين الفقراء الذين حرموا من المشاركة السياسية قبل الثورة.
لكن بعد سنوات من التطبيق أصبحت هذه الصيغة مجرد شكل بلا مضمون فأصبح أستاذ الجامعة والمهندس والضابط عامل أو فلاح.ورغم تراجع حكم الرئيس السادات ثم الرئيس مبارك عن كل المنجزات الاقتصادية والاجتماعية للناصرية إلا أنهم تمسكوا ببقاء نسبة العمال والفلاحين لأنها ضمانة لتمرير رجالهم الموالين ورغم تعديل توجهات النظام والسماح بتشكيل الأحزاب إلا انه ظل متمسك بنسبة تمثيل العمال والفلاحين الغير مجدية في ظل التعددية وإتاحة الفرص المتساوية للتمثيل السياسي أمام الجميع لأنها أصبحت وسيلة غير ديمقراطية لفرض الموالين وعائق أمام التطور الديمقراطي.
نفس الأسلوب الخاطئ في التمييز الايجابي تم تطبيقه علي الأقباط وخصصت لهم وزارات غير رئيسية مثل المواصلات والعلاقات الدولية والبيئة.ولم نجد يوماًُ وزيراً للدفاع أو للداخلية أو الخارجية أو العدل قبطي ولم نجد محافظ أو رئيس هيئة حكومية كبري كالجهاز المركزي للمحاسبات قبطي.وأخيرا حين أرادت الحكومة مواجهة الدعاوي بتوجهاتها الطائفية قررت تخصيص محافظ قنا للأقباط وكأنها المحافظة الوحيدة التي تضم أقباط أو أن نسبة الأقباط في مصر هي 1 إلي 28 من السكان .وللأسف يرحب العديد من الأقباط المصريين بموضوع التمييز الايجابي وتخصيص كوته لهم تعمق تقسيم الوطن.

الديمقراطية الأمريكية ليست بالمثل الأعلى
لقد وصل بارك أوباما الكيني الأصل لرئاسة أكبر دولة في العالم لأنها تطبق مستوي محدد من الديمقراطية ،ورغم أنها ليست الديمقراطية المثالية حيث يحول الفقر بين الفقراء ومشاركتهم الايجابية في العملية الديمقراطية.
فالولايات المتحدة رغم أن البعض يظنها واحة الديمقراطية إلا إنها في الواقع ليست كذلك حيث أوضح التقرير السنوي لمؤسسة الإحصاء الأمريكية عن مستويات الدخل والفقر وخدمات التأمين الصحي في الولايات المتحدة ارتفاع عدد الفقراء من 36.5 مليون فرد عام 2006 إلى 37.3 مليون في 2007. وان نحو 46 مليون فرد يفتقرون إلى خدمات التأمين الصحي أي 16 ٪ من السكان غير مؤمنين بأي نوع من التأمين الصحي ، بزيادة قدرها 5.4 مليون عن عام 2001.
كما جاء تقرير أصدرته وزارة العدل الأمريكية ليعلن أن هناك ما يقرب من 2.2 مليون نزيل بسجون الولايات والسجون الفيدرالية أو سجون البلاد والمدن، وقد وصل عدد الأحداث في الإصلاحيات بمن فيهم أولئك المعلقة عقوباتهم أو المطلق سراحهم بكفالة، إلى أكثر من سبعة ملايين رجل وامرأة، وان نحو 3 في المائة من الأحداث الأمريكيين أو واحد من كل 32 حدثا كانوا في سجون البلاد إما بعقوبة معلقة أو بكفالة. لتصبح الولايات المتحدة اكبر دولة تضم سجناء في العالم.
كما توجد أعداد كبيرة من الأطفال المشردين في الولايات المتحدة. فحسب تقرير للصحيفة المكسيكية اليونيفرسال يوم 10 ابريل 2006 , فان قرابة 1.3 مليون طفل أمريكي كانوا مشردين أو هربوا من البيوت , هاموا في الشوارع . كما ذكرت الاسوشيتد برس يوم 10 ابريل 2006 , أن 34 % فقط من الذين هم في سن العمل وذوي إعاقات كان لديهم وظائف كاملة الدوام أو نصف دوام في العقدين الماضيين. هذه هي حرية السوق والديمقراطية الأمريكية. وإذا استخدمنا نتائج تقرير التنمية البشرية لعام 2008 للتعرف علي تولي المرأة للمناصب الوزارية وعضوية البرلمان بمجلسيه في بعض الدول نجد التالي:

الدولة نسبة السيدات الوزراء % نسبة السيدات في عضوية البرلمان %
الولايات المتحدة 14.3 16
ايسلندا 27.3 31.7
ماليزيا 9.1 25.7
النرويج 44.4 37.9
كندا 23.1 35
عمان 10 15.5
مصر 5.9 6.8
السويد 52.4 47.3
هولندا 36 34.7
اسبانيا 50 23.2
البحرين 8.7 25
إسرائيل 16.7 14.2

المصدر :برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ـ تقرير التنمية البشرية 2007/2008.

رغم كل الأفلام الأمريكية التي تحاول تصوير أمريكا واحة الديمقراطية فإن وضع النساء السياسي بها اضعف بكثير من وضع النساء في النرويج والسويد واسبانيا.والعجيب أن الولايات المتحدة تدعم النظم المتحيزة ضد النساء ثم تعود لتمول منظمات للدفاع عن حقوق النساء؟!!. أليس من الأفضل لو كانت من البداية تضع قيود علي التعامل مع الدول التي تسئ التعامل مع النساء!!!!

المساواة والمواطنة هي الحل
يعد التمييز الايجابي نوع من القيد علي التطور الديمقراطي في مصر ورغم انه يمثل فرصة أفضل لبعض الفئات المحرومة من المشاركة علي المدي القصير إلا أنه يمثل ظلم وحرمان من الحقوق المتساوية علي المدي الطويل وهو يعيق التطور الديمقراطي ولم نسمع عن بلد استخدمت التمييز الايجابي ثم رفعته بعد فترة ولكن لننظر كيف أدت هذه النظم للكوارث في لبنان رغم كل الحريات المتوفرة بها وكيف فتت وحدة العراق وما يتم في السودان والصومال ألا نتعظ من كل ما يحدث حولنا .
إن أساس الديمقراطية هو المواطنة المتساوية بين الجميع بغض النظر عن الانتماء الديني أو الجنسي أو العرقي أو الطبقي.ذلك هو ما أكدته مختلف المواثيق الدولية منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحتى الآن.ولا يمكن الحديث عن حريات للنساء في ظل استبداد سياسي يمارس ضد الجميع وفي ظل فقر يعيش فيه أكثر من نصف سكان مصر.
لذلك فإن الفقر بمعناه الحقيقي ليس مجرد فقر الدخل، وليس المفاهيم التي يروج لها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي صناع الفقر في العالم بأنه من يقل دخله عن دولار أو دولارين في اليوم.لكن الفقر بمعناه الأشمل الذي بلوره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والاقتصادي الانجليزي الهندي الأصل أمارتيا صن الحاصل علي جائزة نوبل أحد صناع تقرير التنمية البشرية والذي ربط الفقر بالحرمان البشري والقدرة علي المشاركة المتساوية.فلا حرية لقرار الفقير.أو كما يقول البعض أن الفقير عبد أكل عيشه وطالما ظل كذلك تصبح الديمقراطية شكلية ولا توجد فرص للتطور الديمقراطي.لذلك يرتبط تحقيق الديمقراطية الحقيقية بالتحرر من الفقر.
ومن الطبيعي أن يبيع الفقير صوته لمن يدفع له ، ولا ينتخب من يدافع عن مصالحه طالما لن يعطيه مال مقابل صوته، ويؤيد سياسات إفقاره وحرمانه لأنه لا يملك إرادته الحرة ولا يملك حرية اختيار حقيقية ويعزف عن المشاركة السياسية بدليل أن انتخابات البرلمان لا تزيد نسب التصويت بها عن 12% في القاهرة و23% في المحافظات أي أن أكثر من 75% ممن لهم حق التصويت ممتنعين عن المشاركة. بل ويبيع الفقير أجزاء من جسده كقطع غيار بشرية ليعيش فعن أي ديمقراطية نتحدث!!! ولأي تمييز يصفق البعض.
يصعب تحقيق الديمقراطية في ظل تولي الوظائف العامة للمحاسيب والفاسدين وإبعاد ذوي الكفاءة والمجتهدين، كما يصعب تحقيق الديمقراطية في ظل تدخل أجهزة الأمن في التعيين من أئمة المساجد والمعيدين بالجامعات وترقيات موظفي الدولة حتي تعينات رجال السلك الدبلوماسي .تعد الديمقراطية مقيدة في ظل إبعاد الفقراء عن الالتحاق بوزارة الخارجية وكلية الشرطة والكليات العسكرية.الديمقراطية تعني المساواة التامة بين الجميع علي أساس المواطنة وحق الجميع في المشاركة المتساوية.والإرادة الحرة والقرار المستقل فهل يملك الفقراء هذا الترف؟!!!
يصعب الحديث عن الديمقراطية في وطن يريدون تقسيمه بين المسلمين والأقباط وبين السنة والشيعة. وفي ظل مظاهرات المسلمين ضد دور العبادة للأقباط ودون حريتهم في إقامة وممارسة شعائرهم الدينية وفي ظل مظاهرات الأقباط المطالبة بحق العبادة كأبسط حق من حقوق البشر. الديمقراطية مقيدة في وطن يحرم البهائيين من الحصول علي بطاقة شخصية وينفي عنهم صفة المواطنة.الديمقراطية الحالية هي ديمقراطية أحمد عز ورجال المال والأعمال وليست ديمقراطية الفقراء والجموع.
إن الديمقراطية ليست حرية الصحافة فقط وليست التعددية الحزبية فقط وليست تداول السلطة فقط ولكنها بنيان متكامل مترابط الحلقات.يتم التعيين وتولي الوظائف العامة فيه علي أساس الكفاءة وليس علي أساس الانتماء الديني أو الاجتماعي أو لحزبي . الديمقراطية هي نظام متكامل وهو حرية اختيار ومساواة كاملة .
إن التمييز الايجابي يَحول دون التطور الديمقراطي الحقيقي ورغم انه يصل بأقباط لعضوية بعض المجالس الشعبية أوالمناصب العامة ولكنه مجرد تمثيل طائفي وتمثيل شكلي لأنه يحرم آخرين من هذه الفرصة لأنه قد تكون كفاءة الأقباط في بعض الوظائف أكثر من حصتهم بذلك يصبح التمييز نوع من القيد الديمقراطي وغياب للمساواة والمواطنة. نفس الوضع ينطبق علي المعوقين الذين حدد لهم القانون 5% في وظائف الحكومة ولم يطبق ذلك علي القطاع الخاص رغم انه الأكثر توظيفاً. في الولايات المتحدة وصل فرانكلين روزفلت المعاق حركياً لرئاسة الدولة وظل في الرئاسة لأربع دورات،وفي عهد ما قبل يوليو وصل الدكتور طه حسين المعاق بصرياً لوزارة التعليم ولكن إلي أين وصل التمييز الايجابي بحقوق المعاقين في مصر الآن ؟!!!

المرأة والتمييز الايجابي
منذ الناصرية تم تخصيص وزارة الشئون الاجتماعية للمرأة منذ الدكتورة حكمت أبو زيد وحتي تم إلغاء الوزارة وتفتيتها وفي الحقبة المباركية خصصت وزارة التعاون الدولي وأخيراً القوي العاملة للمرأة رغم أن النساء يمثلون أكثر من نصف سكان مصر ويعتبر البعض ذلك انجاز.
كما يسمح بتولي المرأة لرئاسة بعض الأجهزة البحثية مثل معهد التخطيط القومي أو المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وفقط ولكنها لازالت محرومة من تولي وظائف النيابة العامة والقضاء باعتبارها ناقصة الأهلية لوظائف القضاء بينما تهلل الحكومة لوجود مأذونة سيدة وسط ألاف الرجال، ولم يزيد عدد الوزيرات في مصر عن 2 أو 3 ، كما لم نعاصر سيدة في منصب محافظ رغم التهليل الإعلامي لتولي سيدة وظيفة عمدة من أجل الشو الإعلامي فهي سيدة وقبطية وبذلك توضع عينة لتؤكد المساواة واهتمام النظام الحاكم بالنساء وتولي سيدة من بين 35 مليون سيدة أو أكثر لوظيفة عمدة!!!!
إن القضية لا تخص المرأة وحدها أو الديمقراطية فقط ولكنها قضية النظام السياسي كله ولن تحل بوجود 56 سيدة من الحزب الوطني في البرلمان.وفي السابق كان هناك تواجد للنساء في مجلس الشعب فهل ساهم في حل بعض مشاكل النساء؟! كما قامت الدولة بتكوين جهاز قومي للمرأة.هل ساهم هذا الجهاز في مواجهة بعض المشاكل الحقيقية التي تواجه النساء في مصر؟!

الظلم والحرمان
نعتمد علي الأرقام الحكومية المعلنة لأنها أصدق من أي إدعاءات فمن بين أكثر من 11 ألف وظيفة قيادية في الجهاز الحكومي تشغل السيدات 1804 وظيفة قيادية فقط منهم 3 سيدات بدرجة وزير و 39 رئيسة قطاع و383 وكيلة وزارة و 1378 مدير عام في جهاز إداري تجاوز عدد موظفيه 5.5 مليون منهم أكثر من 1.5 مليون سيدة.ورغم أن السيدات نصف المجتمع وفق بيانات تعداد السكان لعام 2006 حيث بلغ عدد الإناث 35.2 مليون يمثلون 49% من السكان ولكنهم لا يمثلون سوي 22.9% فقط من قوة العمل كما أن معدل البطالة بين النساء يبلغ 25.8% بينما المعدل الاجمالي لم يتجاوز 9.3% عام 2006 وفقاً لتقرير التنمية البشرية المصري لعام 2008 . كما ارتفعت نسبة السيدات المعيلة والتي يقدر الجهاز القومي للمرأة أنها تتراوح بين 16% و22% وتصل في دراسات أخري إلي 25% . كما تبلغ نسبة المقيدات في الجداول الانتخابية 38.4% من جملة المقيدين.
يذكر تقرير التنمية البشرية المصري لعام 2008 عدة حقائق منها:
ـ تبلغ نسبة الأمية بين النساء 42.7% ، كما أن 30% من النساء لا يلتحقوا بالتعليم الثانوي .
ـ نسبة الإناث المقيدات بالتعليم الجامعية 37.5% بينما تمثل الإناث خريجات الجامعة 7% من الفئة العمرية لسن الجامعات.أي أن 93% من الإناث في سن الجامعة لا يلتحقوا بالتعليم الجامعي.
ـ تمثل النساء 24.2% من خريجي الكليات والمعاهد العلمية .كما تمثل النساء 30.4% فقط من أصحاب المهن العلمية والفنية.
هذا عن تعليم النساء من واقع تقرير التنمية البشرية المصري .
أما عن فقر النساء فقد أعدت الدكتور أنعام عبد الجواد دراسة عرضت علي مؤتمر الفقر الذي نظمه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بعنوان " المرأة الريفية الفقيرة الخصائص وفرص العمل " واعدت دراسة بالعينة توصلت للنتائج التالية :
ـ النساء بين 15 ـ 65 سنة 52% منهم يقل دخلهم الشهري علي 300 جنيه ، 67.2% منهم أميات و78.7% لم يدخلوا مدرسة.
ـ اتضح أن 75.4% من مفردات العينة يعملن بالقطاع الخاص و74.8% يعملون بدون عقد عمل.حتى الحكومة لا ترحم النساء حيث أن 8.2% من العينة يعلمون في الحكومة بعقود مؤقته.
ـ أوضحت 43.7% من العينة أنهن لا يحصلوا علي فترات راحة أثناء العمل، 38.2% لا يحصلوا علي أي أجازات من العمل .
ـ تشكوا 33.3% من النساء أنهم لايحصلون علي أجورهن بشكل منتظم و81.5% تصرف دخلها بالكامل داخل البيت.
هذه بعض نتائج دراسة الدكتورة أنعام ولكن توجد دراسة أحدث وأكثر أهمية أعدتها مؤسسة المرأة الجديدة بإشراف الدكتورة هالة شكرالله بعنوان " النساء في سوق العمل " وهي جهد بحثي متميز لم تجد الاهتمام الإعلامي الكافي بالنتائج التي توصلت إليها، كشكل آخر من أشكال التمييز!!!وإذا كان هذا هو التواجد الاقتصادي للمرأة . كيف سيكون دورها السياسي؟!
إن المشاركة السياسية للمرأة لن تأتي بقرار ومنحه من أعلي ما لم يحدث تغيير في أوضاع المرأة في المجتمع الذي تعاني 43% من النساء فيه من الأمية وفق تقرير التنمية البشرية المصري لعام 2008. ثم كيف يمكن تفعيل المشاركة السياسية للمرأة وتواجدها في المحليات لم يتجاوز 1.8% وعضويتها رمزية في مجلسي الشعب والشورى.الكوته لن تحل المشكلة لأن الجذور أعمق واكبر من القرار الرئاسي . كما أن المجتمع متأثر بفتاوي إرضاع الكبير وعدم خروج المرأة للعمل وسيل الفتاوى السوداء للفضائيات عن وضعية المرأة.
لو تأملنا تمثيل النساء في مختلف الأحزاب السياسية سنجد انه تمثيل رمزي لن يُحل بقرار رئاسي يفرض 56 سيدة علي البرلمان سيكونون غالباً من عضوات الحزب الوطني.فالأحزاب السياسية تحتاج لمواجهة من حيث رؤيتها للمرأة ودورها ومشاركتها في مختلف مستويات القيادة الحزبية.كما أن النساء أنفسهن مطالبات بمشاركة أكبر ودور أنشط وأوسع حتى يمكن الحديث عن حقوقهم المهدرة والمقيدة.
وإذا تأملنا حجم عضوية المرأة في النقابات المهنية من واقع دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نجد أنها تشكل 55% من عضوية نقابة الاجتماعيين و42% من نقابة التجاريين و 34.5% من نقابة الأطباء و48% من الصيادلة و44.6% من العلاج الطبيعي و24% من المهن الزراعية و14% من المهندسين و5% من التطبيقيين و 26.2% من الصحفيين.هل يعكس تشكيل مجالس إدارة النقابات المهنية هذه الأعداد الكبيرة من السيدات ؟! وهل تشارك السيدات في الانتخابات والجمعيات العمومية للنقابات؟!
لقد خرج الرئيس مبارك ليعلن عن تطور ديمقراطي جديد يسمح بتمثيل نسبي للنساء كتطوير ديمقراطي رغم الإبقاء علي قانون ممارسة الحقوق السياسية الصادر سنة 1956 بكل عيوبه ومنها بطاقات الانتخاب والجداول الانتخابية رغم وجود بطاقات الرقم القومي .وللأسف هللت بعض السيدات من مختلف الاتجاهات السياسية لهذه الخطوة واعتبرتها تطوير رغم أنها تأبيد لوضع التخلف وغياب المساواة .وان مبدأ بصلة المحب خروف تنطبق علي أساليب الضيافة ولكنها لا تصلح لأساليب الحكم.
وإذا كان القرار الرئاسي ينطبق علي البرلمان فهل سيمتد للمحليات والنقابات ؟! وهل بذلك ستزيد الفعالية السياسية للنساء؟!
إن لدينا سيدات مثل الأستاذة جميلة إسماعيل في حزب الغد والأستاذة فريدة النقاش رئيسة تحرير جريدة الأهالي وقد تولوا هذه المناصب بحكم كفائتهم وعطائهم وليس بوصفهم نساء ذلك هو الفرق.
إن النساء الوحيدات القادرات علي انتزاع حقوقهن هم عاملات المنصورة اسبانيا و غزل المحلة وموظفات الضرائب العقارية ، مصر بها نماذج ملهمة مثل عائشة أبو صمادة في الحناوي للدخان وأمل السعيد ووداد الدمرداش من غزل المحلة وشهيدة سراندوا نفيسة المراكبي فهولاء فقط هم القادرين علي دعم المشاركة السياسية للنساء . إن الحكومة لا تريد أن يرتفع صوت هؤلاء النساء لأنهم أمل الأمة في التطور الديمقراطي بمعناه الشعبي الحقيقي وليس المزيف.
إن السلطة التي تحرشت بنوال علي والصحفيات يوم الاستفتاء والتي تحرشت بعاملات المحلة واستخدمت البلطجية ضد جميلة إسماعيل لا يمكن أن تسمح بتمثيل ديمقراطي يأتي بسيدات يحملن هموم النساء الحقيقية إلي المجالس النيابية. ولكنهم يحتاجون إلي توابع أشد عداء لحقوق المرأة من أي رجل ، يأتون بهم علي قوائم الحُزن الوطني ليفرضوهم علينا ويخرجون بهم للتصوير أمام عدسات وكالات الأنباء في المناسبات المختلفة.
إن تولي النساء للمناصب القيادية كوزيرات ومحافظات ورؤساء لجامعات وهيئات سيادية يعني المساواة في فرص التعيين والترقي ، ونفس الوضع ينطبق علي الأقباط. فالتمييز الايجابي قد يكون أفضل من الحرمان الحالي ولكنه ليس العلاج للمشكلة الحقيقية التي نواجهها فالديمقراطية والمساواة التامة والمواطنة هي الحل.وليس بالتمييز وحده ننال حقوقنا وتتحقق الديمقراطية.وعاش كفاح سيدات مصر من أجل انتزاع حقوقهم السليبة.

إلهامي الميرغني
eme55@hotmail.com
28/11/2008