الاثنين، 3 مايو 2010

العمال والاشتراكيين وجذور الأزمة


العمال والاشتراكيين وجذور الأزمة

" إن الإضرابات المتوالية كانت نضالاً طبقياً بشكله الجنيني ، ولكن بشكله الجنيني لا أكثر ولا أقل.وإذا أخذنا هذه الإضرابات بحد ذاتها وجدنا إنها كانت نضالاً تريديونيونياً، ولم تصبح بعد نضالاًَ اشتراكياً ـ ديمقراطياً. لقد أفصحت عن بروز التضاد بين العمال وأصحاب العمل، ولكن العمال لم يعوا ولم يكن من الممكن أن يعوا التضاد المستحكم بين مصالحهم وبين كل النظام السياسي والاجتماعي القائم، أي أنهم لم يحصلوا علي الوعي الاشتراكي ـ الديمقراطي. وبهذا المعني ظلت إضرابات العقد العاشر حركة عفوية محضاً بالرغم من التقدم الكبير الذي تم بالقياس إلي " المشاغبات " .

لينين ـ ما العمل ؟

الطبقة العاملة

- ارتفعت حدة الاحتجاجات العمالية في مصر من 202 احتجاج عام 2005 إلي 222 احتجاج عام 2006 و 692 احتجاج عام 2007 و 447 احتجاج عام 2008 و 478 احتجاج عام 2009 و 187 احتجاج حتى ابريل 2010.

- خاض عمال مصر من 2006 وحتى الآن 531 إضراب و 732 اعتصام بخلاف أشكال الاحتجاج الأخرى.

- خلال عام 2009 حدث 77 احتجاج بين عمال القطاع العام و175 احتجاج بين عمال القطاع الخاص و 226 احتجاج بين موظفي الحكومة.(الأستاذ خالد علي وآخرين الاحتجاجات العمالية 2009 كتاب تحت الطبع ).

- يوجد في مصر 5.5 مليون موظف حكومي و 750 ألف عامل قطاع عام و10.5 مليون بالقطاع الخاص المنظم و4.5 مليون بالقطاع الخاص غير المنظم، 2.9 مليون يعملون بالقطاع الاستثماري.

- 8.8 مليون يعملون بالحضر وهم عصب الاحتجاجات بينما 12.9 مليون يعملون بالريف ومشاركتهم محدودة في الاحتجاجات وتتركز الاحتجاجات في القاهرة والدلتا.

- عمال الصناعة يبلغ عددهم 2.7 مليون عامل من بين 22 مليون يشكلون قوة العمل في مصر حيث حدث تحول صناعي من مصانع الغزل والنسيج والمحالج كثيفة العمالة إلي التصنيع عالي الاستثمار قليل العمالة.

- غالبية الاحتجاجات العمالية واحتجاجات الموظفين بسبب الأجور والبدلات ومن اجل رفع بدل الوجبة الغذائية أو صرف العلاوات المتأخرة أو صرف الرواتب المتأخرة.

- غالبية الاحتجاجات تمت من خارج النقابات الحكومية وبخليط من القيادات بدء من الحزب الوطني الحاكم وانتهاء بالشيوعيين علي اختلاف تلاوينهم وجماعة الأخوان المسلمين.

- انتخابات الدورة النقابية الأخيرة تم شطب أكثر من 17 ألف عامل وحرمانهم من خوض الانتخابات.

- النقابات المهنية معطلة في مصر منذ عام 1993 باستثناءات قليلة.

- موظفي الحكومة هم أكثر الفئات احتجاجاً خلال الفترة بينما تمثل احتجاجات عمال الصناعة الجزء الأقل من الحركة الاحتجاجية.

- شكل موظفي التعليم والصحة الكتلة الرئيسية من تحركات الموظفين في ظل خصخصة الخدمات العامة وتدهور أوضاعهم المعيشية .

- لم تطرح الحركة العمالية والمهنية علي أجندتها حتى الآن انتزاع النقابات المستقلة رغم النجاح في إعلان نقابة الضرائب العقارية المستقلة.وظل ملايين المهنيين من الموظفين والبرجوازيين الصغار بلا نقابات ولا يشعرون بخطورة ذلك الوضع .

- تفتقد الحركة العمالية للفكر النقابي وتحتاج لتثقيف بدائي حول أهمية النقابة ودورها قبل أن نفكر في الدعوة للحرية النقابية.ربما تكون القيادات الاشتراكية ولأول مرة تتفق في غالبيتها علي الحرية النقابية والتعددية ورغم ذلك لم يتحول ذلك لبرامج تثقيف وحلقات لرفع الوعي. بل العكس هو الصحيح حيث نجد بعض القيادات تطالب بالإبقاء علي النقابات الحالية ولأسباب واهية ومتنوعة.

- تفتقد الحركة العمالية للتثقيف العمالي ونقل الخبرات باستثناءات قليلة ومحدودة التأثير.

- يستمر فقدان النشرات المصنعية التي تلعب دور في بلورة الكفاح في كل موقع وتطويره.

العمال والنضال القانوني

- اتجه العمال للشكوى والتقاضي كوسيلة للمواجهة.وهي وسيلة هامة ولكن تحولها إلي الوسيلة الوحيدة للمواجهة مشكلة تعكس الأزمة .

- استطاعت منظمات المجتمع المدني بلورت جبهة قانونية للدفاع في القضايا العمالية وانتزعت عدد من الأحكام الهامة منها الحكم بإلزام الحكومة بتحديد حد ادني للأجور ووقف قرار وزير الصحة بالنظام الجديد لتسعير الدواء ووقف قرار تحويل التأمين الصحي لشركة .

- رغم التأثير الايجابي لمنظمات حقوق الإنسان علي الحركة العمالية من حيث انتزاع بعض الأحكام القضائية إلا أن تأثيرها السلبي أكبر من حيث تحويل النضال العمالي إلي نضال مدفوع الأجر وممول مما ساهم في إفساد العديد من القيادات العمالية .

- تحول الكفاح العمالي إلي ورش عمل ومؤتمرات في فنادق خمس نجوم لمناقشة مشاكل الفقر وتمكين الفقراء والنقابات.

- تحول النضال العمالي إلي نضال قاهري من خلال اعتصامات العمال أمام مجلس الشعب.ولم يكلف الاشتراكيين المصريين أنفسهم عناء تقييم ودراسة تجربة إضراب واعتصام طنطا للكتان.تحول رصيف مجلس الوزراء إلي ملاذ كل أصحاب الشكوى بعيداً عن قواعدهم مصدر قوتهم!!!

- كثير من الاحتجاجات تناشد رئيس الدولة وزوجته ونجله تحقيق مطالبهم .

- ضمن برنامج " العاشرة مساءاً " كانت هناك أحدي العاملات المعتصمات علي رصيف مجلس الشعب وحوار حول الاحتجاجات العمالية والاحتجاجات السياسية. وأكدت السيدة " إحنا مش بتوع سياسة ولا لينا دعوة بالدستور ولا بالسياسة ، إحنا عايزين المسئولين يبصوا لمرتباتنا وإحنا نمشي ، حد يحب يسيب بيته وينام في الشارع" !!!

الاشتراكيون وأزمة مستمرة

- ظل تشرزم الاشتراكيين وانقساماتهم مستمرة رغم صعود الاحتجاجات العمالية وتم إعادة إنتاج الأزمة بعناوين جديدة وأبطال جدد.

- انعكست الحلقية الماركسية علي وحدة الحركة العمالية وظهرت في إضراب المحلة 2008 وطنطا للكتان 2009 .

- فقدت الأحزاب الحكومية أي تواجد شعبي حقيقي وأصبحت تعمل ضمن الكوته التي تمنحها لها الحكومة في كل انتخابات.

- لم تبلور الحركة الاشتراكية شعار واضح لما تريده وملامح البرنامج الذي تسعي لتحقيقه مما أبعدها عن التحول إلي عنصر فاعل في الحركة الاجتماعية أو الحركة السياسية.

- أكتفي اليسار بتلاوينه المختلفة بدور الكومبارس في حركات التغيير دون أن يستكمل مشروعه التنظيمي والسياسي وأصبح عرضة للمزيد من التفسخ .

- كون اليسار عدة أشكال من التحالف الاشتراكي إلي اتحاد اليسار إلي مؤتمر اليسار وكلها ساهمت في تأبيد الأزمة ولم تخرج منها.

- تخلط كثير من الأشكال بين توجهات مختلفة بدء من الاشتراكيين الثوريين وحتى اليسار الديمقراطي،ويتسع المفهوم لدي البعض ليضم الأحزاب الناصرية بما يخلط ما بين تحسين وتطوير المشروع الرأسمالي وإصلاحه وبين المشروع الاشتراكي برؤيته المختلفة.

- ولدت بعض الأشكال الهامة لتنظيم الناس مثل "جماعة أطباء بلا حقوق" " ومعلمون بلا نقابة " و"اتحاد معلمي الجيزة " و" اتحاد أصحاب المعاشات " و"اللجنة الشعبية للدفاع عن أرض مطار إمبابة" ، وروابط المستأجرين والملاك ، واللجان الشعبية للتغيير. وكلها مبادرات هامة وخلاقة وتحتاج للمزيد من الدعم والتواصل معها.

- يعاني الاشتراكيين المصريين من فقر فكري وسياسي كبير خاصة بعد أن استوعبت منظمات المجتمع المدني الممولة جزء كبير من الباحثين، وفي ظل غياب المجلات النظرية. بعد توقف مجلة " قضايا فكرية" حاول الاشتراكيين الثوريين بلورة رؤية مختلفة من خلال مجلة "أوراق اشتراكية" التي صدر منها حوالي (22) عدد. لكن إحجام بعض الاشتراكيين عن الكتابة للمجلة وضعف الإنتاج النظري بشكل عام ضاعف من حدة الأزمة.

- جرت محاولة هامة للتواصل مع اليسار العالمي في موقع " كفاية زى نت" ولكن الاختلافات والشخصنة أدت لتوقف الموقع وفقدنا المنبر الوحيد الذي كان يتيح لنا التواصل مع العالم.

- يوجد نقص شديد في المعلومات حول الحركة الاشتراكية والماركسية في العالم، ولا توجد خطط مطروحة لعلاج ذلك النقص. مما يمرر شعور بأننا الوحيدين الذين نعاني من مشاكل الاستبداد والقهر والتبعية ولا نعرف ماذا يواجه الآخرين وماذا فعلوا؟!

النضال الافتراضي

يشكل الحاسب الآلي والانترنت نقلة كبري في أدوات التواصل حيث انتقلنا من عصر البلوظة والرنيو إلي عصر المدونات وصفحات الويب. لكن لكل شئ حسناته وعيوبه . ومن أهم عيوب العصر الحالي موضوع النضال الافتراضي الذي تتحول الحركة فيه إلي " شات " ولقطات علي " اليو تيوب " وحركة احتجاجية من "الكيبورد".أنه النضال الافتراضي قليل المخاطر عديم التأثير،أنه مجرد تفريغ لشحنات الغضب دون تأثير في الواقع والحكومة تحكم الرقابة والسيطرة عليه .توجد أمثلة عديدة علي ذلك منها:

- صفحة شباب 6 إبريل علي الفيس بوك دخلها 140 ألف مشترك ، ولكن عندما فكر الشباب في تطوير حركتهم وتنظيم مظاهرة أمام مسجد الفتح في ميدان رمسيس لم يحضر 500 شخص.

- جماعة الأخوان المسلمين التي يعتبرها البعض أهم وأكبر تنظيم سياسي في مصر نظمت حركة جمع توقيعات اليكترونية ضد المحاكمات العسكرية لقادتها لم يتجاوز عدد الموقعين سبعة الآف شخص من كل ألوان الطيف السياسي.

- عديد من المناسبات التي تتم الدعوة لها تجد عدد من أكدوا الحضور مثلا 300 ولكن عند حدوث الفاعلية ربما لا تجد سوي ست أفراد فقط ، وربما ايضاً يكونوا ممن لم يؤكدوا حضورهم.

- حملات جمع التوقيعات، مسخرة من مساخر النضال الاليكتروني، واعتاد الناس الدخول وإرسال رسالة أرجوا إضافة توقيعي. وأذكر بيان لحزب الشعب الاشتراكي نشر علي أحد المجموعات البريدية، وفوجئت بعدة أشخاص يرسلون رسائل أرجوا إضافة توقيعي !!!!

- الحشد الاليكتروني لا يعكس فاعلية سياسية بدليل مظاهرة 2 مايو والتي سبقها شحن اليكتروني دفع البعض للحديث عن انتظروا ثورة العمال، لكن الوقائع جاءت عكس ذلك.

لذلك يصعب الحديث عن نضال افتراضي، كما أن مصر بها أمية تصل إلي 40% من السكان حسب الإحصائيات المنشورة، ورغم أن عدد مستخدمي الانترنت قد يصل إلي 20 مليون إلا أن غالبيتهم يتعاملون معه لأغراض متنوعة بدء من الحوارات إلي المواقع الدينية والمواقع الإباحية. لكن جموع العمال والفلاحين لن تخرج ولن تستجيب لرسائل موبايل أو دعوات اليكترونية ، ربما يكون العامل لديه كمبيوتر في منزله يستخدمه أولاده . لكنه لن ينزل للتظاهر لدعوة الكترونية ولن يخوض إضراب لأنه وصلته دعوة علي " الفيس بوك " وهو بحاجة لشخص يثق به ليحاوره ويقنعه وجهاً لوجه . مصر ليست البرازيل والمحلة غير كراكاس .

لكن ذلك لا يقلل من دور الحاسب الآلي وشبكة الانترنت في الإعلام وتبادل المعلومات.لقد لعبت المدونات والمدونين دوراً هاماً في الحركة والإعلام منذ عام 2005 وكانت مدونات علاء ومنال ، ومالك مصطفي ووائل عباس وعشرات المدونات فتح كبير للحركة وتطور وسائل الاتصال.وأذكر عند إضراب 6 إبريل أن مدونة وائل عباس كانت تقدم وصف حي من مواقع الأحداث وهو ما تطور بشكل أعلي في مظاهرة 2 مايو والبث الحي لأحداثها.

لذلك رغم ضرورة الاهتمام بالأدوات الالكترونية وتطويرها وبناء مواقع جديدة لتمارس دور كفاية ودور تبادل الوعي والخبرات، إلا أن ذلك لا يعتمد عليه كوسيلة للحشد مع الطبقة العاملة والفلاحين الذين يعاني الآلاف منهم من الأمية الأبجدية.

البركة بالشباب

مثل شباب المدونين في 2005 ظاهرة هامة في التطور السياسي، نضجت أكثر في حركة شباب 6 ابريل وتجمعات التغيير وهم الأمل في إحداث نوع من التطور السياسي في مصر.رغم خفوت صوت الحركة الطلابية فإن شباب جدد لا ترضيهم الأوضاع الحالية ويتطلعون لمصر أفضل. إن شباب مثل أحمد ماهر ومحمد عادل وإسلام ونور وآلاف من زهور مصر هم إضافة حقيقية للواقع لكن لا يتم التعامل معهم بالكيفية اللازمة. وفي ظل غياب بديل واضح ورؤية متكاملة وراية مرفوعة فإنهم ينجرفون إلي حزب الغد أو الجبهة الديمقراطية أو حزب الإصلاح والتنمية أو الحركة المصرية للتغيير. وهم الذين خرجوا لاستقبال البرادعي وهم الداعم الرئيسي لحركته.

لذلك لزاماً علينا الحوار معهم ومعرفة أرائهم وتوجهاتهم والاقتراب من أحلامهم وطموحاتهم وتوفير مواد لتوعيتهم وتثقيفهم ومن المؤكد أن قطاعات كبيرة منهم يمكن أن تكون جزء من الحركة الاشتراكية لو تم التعامل معهم برؤية ناضجة بعيداً عن منطق تجنيد الدكاكين والاستعجال أو اللهاث الذي قد يضر ولا ينفع.علينا أولا أن نتحاور معهم ونفهم لغتهم ثم نتعامل معهم دون تعالي ودون لهاث.

هل نحن بديل عن الجماهير؟!

استبدل البعض الجماهير بالاشتراكيين أو اليساريين باعتبارهم الجمهور. واتحدي أن تجد فاعلية سياسية بها وجوه جديدة لا تعرفها وكان الجدب أصاب الحياة السياسية.

وإذا كان المثل القديم يقول " أبو بالين كداب " فإننا جميعا ذوات عشرين بال وليس بال واحد. وأنا كشخص نموذج لذلك حيث أنني عضو في اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية ولجنة الدفاع عن المعاشات والحقوق التأمينية ولجنة الحق في الصحة وأشياء أخري!!!أليس ذلك تجسيد للأزمة؟!!إننا عندما نتحدث عن مظاهرة نقصد مظاهرة لنا وليست للناس ، ونعتبر أن مجرد دعوة علي الموبايل أو الانترنت ستأتي بالناس . وكما يقول الابنودي طول العمر بنلعب دورين طليعة وجماهير.

في الماضي كانت التحركات يخطط لها بالمواقع التي لنا بها نفوذ ، فنقول شركة حرير حلوان سيحضر منها كام أتوبيس والحديد والصلب كام أتوبيس والدلتا للصلب كام أتوبيس واسكوا كام أتوبيس ومن ثم يكون التحرك عمالي حقيقي. ولكن تحول الأمر أما إلي جنرالات بلا جنود أو مراكز وجمعيات حقوقية. بمعني أفراد مع المركز العمالي الفلاني وآخرين من مؤسسة كذا ومن ثم تقلصنا من آلاف إلي المئات ثم إلي العشرات!!!وإذا كانت القاهرة هي العاصمة فالجميع يجب أن يحجوا إليها ، عمال الإسكندرية وعمال المحلة وعمال شبين الكوم وعمال السويس الجميع يأتي للقاهرة كأفراد. هل هذه التحركات يمكن أن تصنع تغيير ؟! أين جماهير العمال ؟!هل أصبحنا بديل للعمال؟!

إذا كان هناك قائد عمالي من المحلة مثلا سيحضر يوم مظاهرة أمام مجلس الشعب ويوم ندوة في حزب التجمع ويوم ثالث اجتماع في مركز حقوقي ويوم رابع ورشة عمل في مؤسسة حقوقية. متي يجلس في مصنعه ويناقش مشاكله ؟! وكيف سيجده عمال مصنعه وزملائه ؟! وهل يجور أن اعتبره قائد؟! وهو قائد بلا جنود!!!

لقد حان الوقت لنوقف هذه الهوجة التي لا تحقق مردود وقد ثبت فشلها للمرة المليون.نحن لسنا بديل عن العمال والفلاحين.وواجبنا هو بناء منظمات نقابية مستقلة وأشكال تناسب مختلف مستويات وعي الجماهير. علينا ابتداع أدوات في التواصل مع الجموع وحشدها بشكل ايجابي. هذا هو دورنا وهذا هو واجبنا كما علمتنا الماركسية . فالماركسية ليست نصوص محفوظة أو كتب في مكتباتنا أو أيقونات نحملها وتراتيل نتغني بها بل رؤية ثورية وأداة لقرأة الواقع وتغييره .

إننا لازلنا بعيدين كثيراً عن الماركسية رغم القسم المغلظ بعكس ذلك. لقد استبدلنا أنفسنا بالجماهير وعلينا أن نعيد تصحيح هذه الأخطاء إذا كنا لانزال نتمسك بالاشتراكية كبديل والماركسية كمنهج ورؤية. بدون ذلك سنظل ندعوا لوقفات ومظاهرات لا يحضرها غيرنا والأمن حولنا.ونتعجب لعدم استجابة الجموع ، ونتعجب لتناقص عددنا. بينما العيب فينا وفي أسلوب حركتنا.

حكم القضاء بالحد الأدنى للأجور

تم انتزاع حكم قضائي يلزم الحكومة بتحديد حد أدني للأجور ، ورفع البعض شعار " عايزين نوصل لخط الفقر" وشعار " حد ادني للأجور لا يقل عن 1200 جنيه شهرياً".

نظم عدد من منظمات المجتمع المدني وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء لمطالبة الحكومة بتنفيذ حكم القضاء. لم يتجاوز عدد المشاركين في الوقفة 300 مشارك وشاهدنا أحد القيادات العمالية وهو يهتف " يانظيف يا نظيف الأريل انضف منك ، والصابون أنضف منك" .الغريب أن الجمهور وغالبيتهم من النخبة السياسية والقيادات العمالية اليسارية لم يستنكروا هذا الهتاف واخذوا يرددونه علي إيقاع الطبول!!!

تم الاتفاق علي الدعوة لوقفة أكبر في عيد العمال وتم الحشد الإعلامي لها بشكل غير مسبوق وتحدد لها مكان خلف مجلس الوزراء في شارع حسين حجازي في قلب القاهرة. واستخدمت التكنولوجيا في خدمة القضية بفضل شباب اليسار الذين سجلوا رسائل فيديو قصيرة للنشطاء والفنانين تدعوا العمال للمشاركة في اعتصام يوم 2 مايو .ولا أدري لماذا لم تكن مظاهرة أو وقفة احتجاجية ؟ وهل توجد قوي يمكن أن تنفذ اعتصام قد يمتد لعدة أيام؟!!

نجحت الدعوة في جذب ما بين 500 إلي ألف شخص جميعهم من القيادات اليسارية والعمالية ، وبحكم ضيق الشارع وسهولة غلقه واحكامات الأمن لم ينجح العديد من النشطاء في الوصول للمكان.لكن الجدير بالملاحظة أن غالبية المشاركين معروفين ولم يشارك جمهور حقيقي في الوقفة.هل يرجع ذلك إلي أن العمال غير مهتمين بقضية الحد الأدنى للأجور وهم الذين نفذوا عشرات الاضربات والاعتصامات من أجل الأجور؟!.هل العمال المعتصمين علي رصيف مجلس الوزراء والذين شارك بعضهم في الوقفة غير مهتمين؟!أم أن المشكلة في الأساس ترجع لنا ولأسلوب إدارتنا للمعركة (لن استخدم تعبير الحملة المبتذل في منظمات المجتمع المدني).

ضمت الوقفة كل أطياف العمال واليسار وبعض رموز جماعة الأخوان المسلمين لكن العجيب هو طابع الهتافات. فقد وقف أحد القادة يهتف بالبيان الذي صدر يدعوا للوقفة والجماهير تهتف ورائه. وعندما وصل لأسماء الجهات الموقعة علي البيان أخذ يردد والناس ورائه " يارب بارك يارب زيد " ويعلن اسم جهة موقعة لتردده خلفه الناس وبحيث يقول حزب الكرامة ، فيردد المتظاهرين حزب الكرامة ، "تحت التأسيس" فيرددون تحت التأسيس وهكذا . هل هذه هي شعارات اليسار في مواجهة الأجور. ( هذا الزميل من أنبل قيادات اليسار ولكنه يجسد الأزمة التي نتحدث عنها).ألا يعكس ذلك عمق الأزمة ؟ هل تستجيب الدولة لمعارضة هذا هو حجمها وهذه هي أساليبها؟!

هل قمنا بواجبنا تجاه جموع العمال والموظفين ؟ هل شرحنا لهم قضية الحد الأدنى للأجور وأهميته ؟ هل كتبنا كراسات تناسب مختلف درجات الوعي الاجتماعي بأمثلة من واقع العمال في القطاعات الإنتاجية المختلفة والموظفين والمعلمين والأطباء؟ هل عملنا من أجل بناء نقابات حقيقية تتبني هذه القضية؟! هل اهتمت النشرات المصنعية بالتجهيز لهذه الوقفة؟ وهل لدينا أصلاً نشرات مصنعية ومحلية؟ هل صنعنا أفلام عن قضية الأجور والأسعار وعرضناها علي العمال بعيداً عن اليوتيوب .هل ستنفذ الحكومة حكم المحكمة لأنها تحترم القانون؟! هل ستخاف منا الحكومة لأننا حشدنا ألف شخص أمام مجلس الوزراء؟!

علينا أن نتوقف ونتأمل ما حدث. علينا أن ننسق جهودنا ليكمل بعضها البعض. علينا أن نعلوا فوق الخلافات والمجد الشخصي وعدسات الفضائيات. علينا أن نقوم بدورنا إذا كانت قناعتنا حقيقية ولم نتخلي عنها. علينا أن نبدأ من الآن بلورة رؤية جديدة وأساليب عمل جديدة لكي يصبح الاشتراكيين الماركسيين رقم فاعل في المعادلة السياسية.

لو مش هتحلم معايا

مضطر احلم بنفسى

لكنّى في الحلم حتى

عمري ما هأحلم لنفسي

لو كنت راح أفتش

عن منصب ولا جاه

وأصاحب الحذر

ده أنا أبقى مستحقش حلاوة الحياة

و ضحكة البشر

يا صحبى يا صديقى

ياللى طريقك طريقى

ده أنا يوم ما أعيش لنفسى

ده يوم موتى الحقيقي

إلهامي الميرغني

3/5/2010

العمال والاشتراكيين وجذور الأزمة


" إن الإضرابات المتوالية كانت نضالاً طبقياً بشكله الجنيني ، ولكن بشكله الجنيني لا أكثر ولا أقل.وإذا أخذنا هذه الإضرابات بحد ذاتها وجدنا إنها كانت نضالاً تريديونيونياً، ولم تصبح بعد نضالاًَ اشتراكياً ـ ديمقراطياً. لقد أفصحت عن بروز التضاد بين العمال وأصحاب العمل، ولكن العمال لم يعوا ولم يكن من الممكن أن يعوا التضاد المستحكم بين مصالحهم وبين كل النظام السياسي والاجتماعي القائم، أي أنهم لم يحصلوا علي الوعي الاشتراكي ـ الديمقراطي. وبهذا المعني ظلت إضرابات العقد العاشر حركة عفوية محضاً بالرغم من التقدم الكبير الذي تم بالقياس إلي " المشاغبات " .

لينين ـ ما العمل ؟

الطبقة العاملة

- ارتفعت حدة الاحتجاجات العمالية في مصر من 202 احتجاج عام 2005 إلي 222 احتجاج عام 2006 و 692 احتجاج عام 2007 و 447 احتجاج عام 2008 و 478 احتجاج عام 2009 و 187 احتجاج حتى ابريل 2010.

- خاض عمال مصر من 2006 وحتى الآن 531 إضراب و 732 اعتصام بخلاف أشكال الاحتجاج الأخرى.

- خلال عام 2009 حدث 77 احتجاج بين عمال القطاع العام و175 احتجاج بين عمال القطاع الخاص و 226 احتجاج بين موظفي الحكومة.(الأستاذ خالد علي وآخرين الاحتجاجات العمالية 2009 كتاب تحت الطبع ).

- يوجد في مصر 5.5 مليون موظف حكومي و 750 ألف عامل قطاع عام و10.5 مليون بالقطاع الخاص المنظم و4.5 مليون بالقطاع الخاص غير المنظم، 2.9 مليون يعملون بالقطاع الاستثماري.

- 8.8 مليون يعملون بالحضر وهم عصب الاحتجاجات بينما 12.9 مليون يعملون بالريف ومشاركتهم محدودة في الاحتجاجات وتتركز الاحتجاجات في القاهرة والدلتا.

- عمال الصناعة يبلغ عددهم 2.7 مليون عامل من بين 22 مليون يشكلون قوة العمل في مصر حيث حدث تحول صناعي من مصانع الغزل والنسيج والمحالج كثيفة العمالة إلي التصنيع عالي الاستثمار قليل العمالة.

- غالبية الاحتجاجات العمالية واحتجاجات الموظفين بسبب الأجور والبدلات ومن اجل رفع بدل الوجبة الغذائية أو صرف العلاوات المتأخرة أو صرف الرواتب المتأخرة.

- غالبية الاحتجاجات تمت من خارج النقابات الحكومية وبخليط من القيادات بدء من الحزب الوطني الحاكم وانتهاء بالشيوعيين علي اختلاف تلاوينهم وجماعة الأخوان المسلمين.

- انتخابات الدورة النقابية الأخيرة تم شطب أكثر من 17 ألف عامل وحرمانهم من خوض الانتخابات.

- النقابات المهنية معطلة في مصر منذ عام 1993 باستثناءات قليلة.

- موظفي الحكومة هم أكثر الفئات احتجاجاً خلال الفترة بينما تمثل احتجاجات عمال الصناعة الجزء الأقل من الحركة الاحتجاجية.

- شكل موظفي التعليم والصحة الكتلة الرئيسية من تحركات الموظفين في ظل خصخصة الخدمات العامة وتدهور أوضاعهم المعيشية .

- لم تطرح الحركة العمالية والمهنية علي أجندتها حتى الآن انتزاع النقابات المستقلة رغم النجاح في إعلان نقابة الضرائب العقارية المستقلة.وظل ملايين المهنيين من الموظفين والبرجوازيين الصغار بلا نقابات ولا يشعرون بخطورة ذلك الوضع .

- تفتقد الحركة العمالية للفكر النقابي وتحتاج لتثقيف بدائي حول أهمية النقابة ودورها قبل أن نفكر في الدعوة للحرية النقابية.ربما تكون القيادات الاشتراكية ولأول مرة تتفق في غالبيتها علي الحرية النقابية والتعددية ورغم ذلك لم يتحول ذلك لبرامج تثقيف وحلقات لرفع الوعي. بل العكس هو الصحيح حيث نجد بعض القيادات تطالب بالإبقاء علي النقابات الحالية ولأسباب واهية ومتنوعة.

- تفتقد الحركة العمالية للتثقيف العمالي ونقل الخبرات باستثناءات قليلة ومحدودة التأثير.

- يستمر فقدان النشرات المصنعية التي تلعب دور في بلورة الكفاح في كل موقع وتطويره.

العمال والنضال القانوني

- اتجه العمال للشكوى والتقاضي كوسيلة للمواجهة.وهي وسيلة هامة ولكن تحولها إلي الوسيلة الوحيدة للمواجهة مشكلة تعكس الأزمة .

- استطاعت منظمات المجتمع المدني بلورت جبهة قانونية للدفاع في القضايا العمالية وانتزعت عدد من الأحكام الهامة منها الحكم بإلزام الحكومة بتحديد حد ادني للأجور ووقف قرار وزير الصحة بالنظام الجديد لتسعير الدواء ووقف قرار تحويل التأمين الصحي لشركة .

- رغم التأثير الايجابي لمنظمات حقوق الإنسان علي الحركة العمالية من حيث انتزاع بعض الأحكام القضائية إلا أن تأثيرها السلبي أكبر من حيث تحويل النضال العمالي إلي نضال مدفوع الأجر وممول مما ساهم في إفساد العديد من القيادات العمالية .

- تحول الكفاح العمالي إلي ورش عمل ومؤتمرات في فنادق خمس نجوم لمناقشة مشاكل الفقر وتمكين الفقراء والنقابات.

- تحول النضال العمالي إلي نضال قاهري من خلال اعتصامات العمال أمام مجلس الشعب.ولم يكلف الاشتراكيين المصريين أنفسهم عناء تقييم ودراسة تجربة إضراب واعتصام طنطا للكتان.تحول رصيف مجلس الوزراء إلي ملاذ كل أصحاب الشكوى بعيداً عن قواعدهم مصدر قوتهم!!!

- كثير من الاحتجاجات تناشد رئيس الدولة وزوجته ونجله تحقيق مطالبهم .

- ضمن برنامج " العاشرة مساءاً " كانت هناك أحدي العاملات المعتصمات علي رصيف مجلس الشعب وحوار حول الاحتجاجات العمالية والاحتجاجات السياسية. وأكدت السيدة " إحنا مش بتوع سياسة ولا لينا دعوة بالدستور ولا بالسياسة ، إحنا عايزين المسئولين يبصوا لمرتباتنا وإحنا نمشي ، حد يحب يسيب بيته وينام في الشارع" !!!

الاشتراكيون وأزمة مستمرة

- ظل تشرزم الاشتراكيين وانقساماتهم مستمرة رغم صعود الاحتجاجات العمالية وتم إعادة إنتاج الأزمة بعناوين جديدة وأبطال جدد.

- انعكست الحلقية الماركسية علي وحدة الحركة العمالية وظهرت في إضراب المحلة 2008 وطنطا للكتان 2009 .

- فقدت الأحزاب الحكومية أي تواجد شعبي حقيقي وأصبحت تعمل ضمن الكوته التي تمنحها لها الحكومة في كل انتخابات.

- لم تبلور الحركة الاشتراكية شعار واضح لما تريده وملامح البرنامج الذي تسعي لتحقيقه مما أبعدها عن التحول إلي عنصر فاعل في الحركة الاجتماعية أو الحركة السياسية.

- أكتفي اليسار بتلاوينه المختلفة بدور الكومبارس في حركات التغيير دون أن يستكمل مشروعه التنظيمي والسياسي وأصبح عرضة للمزيد من التفسخ .

- كون اليسار عدة أشكال من التحالف الاشتراكي إلي اتحاد اليسار إلي مؤتمر اليسار وكلها ساهمت في تأبيد الأزمة ولم تخرج منها.

- تخلط كثير من الأشكال بين توجهات مختلفة بدء من الاشتراكيين الثوريين وحتى اليسار الديمقراطي،ويتسع المفهوم لدي البعض ليضم الأحزاب الناصرية بما يخلط ما بين تحسين وتطوير المشروع الرأسمالي وإصلاحه وبين المشروع الاشتراكي برؤيته المختلفة.

- ولدت بعض الأشكال الهامة لتنظيم الناس مثل "جماعة أطباء بلا حقوق" " ومعلمون بلا نقابة " و"اتحاد معلمي الجيزة " و" اتحاد أصحاب المعاشات " و"اللجنة الشعبية للدفاع عن أرض مطار إمبابة" ، وروابط المستأجرين والملاك ، واللجان الشعبية للتغيير. وكلها مبادرات هامة وخلاقة وتحتاج للمزيد من الدعم والتواصل معها.

- يعاني الاشتراكيين المصريين من فقر فكري وسياسي كبير خاصة بعد أن استوعبت منظمات المجتمع المدني الممولة جزء كبير من الباحثين، وفي ظل غياب المجلات النظرية. بعد توقف مجلة " قضايا فكرية" حاول الاشتراكيين الثوريين بلورة رؤية مختلفة من خلال مجلة "أوراق اشتراكية" التي صدر منها حوالي (22) عدد. لكن إحجام بعض الاشتراكيين عن الكتابة للمجلة وضعف الإنتاج النظري بشكل عام ضاعف من حدة الأزمة.

- جرت محاولة هامة للتواصل مع اليسار العالمي في موقع " كفاية زى نت" ولكن الاختلافات والشخصنة أدت لتوقف الموقع وفقدنا المنبر الوحيد الذي كان يتيح لنا التواصل مع العالم.

- يوجد نقص شديد في المعلومات حول الحركة الاشتراكية والماركسية في العالم، ولا توجد خطط مطروحة لعلاج ذلك النقص. مما يمرر شعور بأننا الوحيدين الذين نعاني من مشاكل الاستبداد والقهر والتبعية ولا نعرف ماذا يواجه الآخرين وماذا فعلوا؟!

النضال الافتراضي

يشكل الحاسب الآلي والانترنت نقلة كبري في أدوات التواصل حيث انتقلنا من عصر البلوظة والرنيو إلي عصر المدونات وصفحات الويب. لكن لكل شئ حسناته وعيوبه . ومن أهم عيوب العصر الحالي موضوع النضال الافتراضي الذي تتحول الحركة فيه إلي " شات " ولقطات علي " اليو تيوب " وحركة احتجاجية من "الكيبورد".أنه النضال الافتراضي قليل المخاطر عديم التأثير،أنه مجرد تفريغ لشحنات الغضب دون تأثير في الواقع والحكومة تحكم الرقابة والسيطرة عليه .توجد أمثلة عديدة علي ذلك منها:

- صفحة شباب 6 إبريل علي الفيس بوك دخلها 140 ألف مشترك ، ولكن عندما فكر الشباب في تطوير حركتهم وتنظيم مظاهرة أمام مسجد الفتح في ميدان رمسيس لم يحضر 500 شخص.

- جماعة الأخوان المسلمين التي يعتبرها البعض أهم وأكبر تنظيم سياسي في مصر نظمت حركة جمع توقيعات اليكترونية ضد المحاكمات العسكرية لقادتها لم يتجاوز عدد الموقعين سبعة الآف شخص من كل ألوان الطيف السياسي.

- عديد من المناسبات التي تتم الدعوة لها تجد عدد من أكدوا الحضور مثلا 300 ولكن عند حدوث الفاعلية ربما لا تجد سوي ست أفراد فقط ، وربما ايضاً يكونوا ممن لم يؤكدوا حضورهم.

- حملات جمع التوقيعات، مسخرة من مساخر النضال الاليكتروني، واعتاد الناس الدخول وإرسال رسالة أرجوا إضافة توقيعي. وأذكر بيان لحزب الشعب الاشتراكي نشر علي أحد المجموعات البريدية، وفوجئت بعدة أشخاص يرسلون رسائل أرجوا إضافة توقيعي !!!!

- الحشد الاليكتروني لا يعكس فاعلية سياسية بدليل مظاهرة 2 مايو والتي سبقها شحن اليكتروني دفع البعض للحديث عن انتظروا ثورة العمال، لكن الوقائع جاءت عكس ذلك.

لذلك يصعب الحديث عن نضال افتراضي، كما أن مصر بها أمية تصل إلي 40% من السكان حسب الإحصائيات المنشورة، ورغم أن عدد مستخدمي الانترنت قد يصل إلي 20 مليون إلا أن غالبيتهم يتعاملون معه لأغراض متنوعة بدء من الحوارات إلي المواقع الدينية والمواقع الإباحية. لكن جموع العمال والفلاحين لن تخرج ولن تستجيب لرسائل موبايل أو دعوات اليكترونية ، ربما يكون العامل لديه كمبيوتر في منزله يستخدمه أولاده . لكنه لن ينزل للتظاهر لدعوة الكترونية ولن يخوض إضراب لأنه وصلته دعوة علي " الفيس بوك " وهو بحاجة لشخص يثق به ليحاوره ويقنعه وجهاً لوجه . مصر ليست البرازيل والمحلة غير كراكاس .

لكن ذلك لا يقلل من دور الحاسب الآلي وشبكة الانترنت في الإعلام وتبادل المعلومات.لقد لعبت المدونات والمدونين دوراً هاماً في الحركة والإعلام منذ عام 2005 وكانت مدونات علاء ومنال ، ومالك مصطفي ووائل عباس وعشرات المدونات فتح كبير للحركة وتطور وسائل الاتصال.وأذكر عند إضراب 6 إبريل أن مدونة وائل عباس كانت تقدم وصف حي من مواقع الأحداث وهو ما تطور بشكل أعلي في مظاهرة 2 مايو والبث الحي لأحداثها.

لذلك رغم ضرورة الاهتمام بالأدوات الالكترونية وتطويرها وبناء مواقع جديدة لتمارس دور كفاية ودور تبادل الوعي والخبرات، إلا أن ذلك لا يعتمد عليه كوسيلة للحشد مع الطبقة العاملة والفلاحين الذين يعاني الآلاف منهم من الأمية الأبجدية.

البركة بالشباب

مثل شباب المدونين في 2005 ظاهرة هامة في التطور السياسي، نضجت أكثر في حركة شباب 6 ابريل وتجمعات التغيير وهم الأمل في إحداث نوع من التطور السياسي في مصر.رغم خفوت صوت الحركة الطلابية فإن شباب جدد لا ترضيهم الأوضاع الحالية ويتطلعون لمصر أفضل. إن شباب مثل أحمد ماهر ومحمد عادل وإسلام ونور وآلاف من زهور مصر هم إضافة حقيقية للواقع لكن لا يتم التعامل معهم بالكيفية اللازمة. وفي ظل غياب بديل واضح ورؤية متكاملة وراية مرفوعة فإنهم ينجرفون إلي حزب الغد أو الجبهة الديمقراطية أو حزب الإصلاح والتنمية أو الحركة المصرية للتغيير. وهم الذين خرجوا لاستقبال البرادعي وهم الداعم الرئيسي لحركته.

لذلك لزاماً علينا الحوار معهم ومعرفة أرائهم وتوجهاتهم والاقتراب من أحلامهم وطموحاتهم وتوفير مواد لتوعيتهم وتثقيفهم ومن المؤكد أن قطاعات كبيرة منهم يمكن أن تكون جزء من الحركة الاشتراكية لو تم التعامل معهم برؤية ناضجة بعيداً عن منطق تجنيد الدكاكين والاستعجال أو اللهاث الذي قد يضر ولا ينفع.علينا أولا أن نتحاور معهم ونفهم لغتهم ثم نتعامل معهم دون تعالي ودون لهاث.

هل نحن بديل عن الجماهير؟!

استبدل البعض الجماهير بالاشتراكيين أو اليساريين باعتبارهم الجمهور. واتحدي أن تجد فاعلية سياسية بها وجوه جديدة لا تعرفها وكان الجدب أصاب الحياة السياسية.

وإذا كان المثل القديم يقول " أبو بالين كداب " فإننا جميعا ذوات عشرين بال وليس بال واحد. وأنا كشخص نموذج لذلك حيث أنني عضو في اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية ولجنة الدفاع عن المعاشات والحقوق التأمينية ولجنة الحق في الصحة وأشياء أخري!!!أليس ذلك تجسيد للأزمة؟!!إننا عندما نتحدث عن مظاهرة نقصد مظاهرة لنا وليست للناس ، ونعتبر أن مجرد دعوة علي الموبايل أو الانترنت ستأتي بالناس . وكما يقول الابنودي طول العمر بنلعب دورين طليعة وجماهير.

في الماضي كانت التحركات يخطط لها بالمواقع التي لنا بها نفوذ ، فنقول شركة حرير حلوان سيحضر منها كام أتوبيس والحديد والصلب كام أتوبيس والدلتا للصلب كام أتوبيس واسكوا كام أتوبيس ومن ثم يكون التحرك عمالي حقيقي. ولكن تحول الأمر أما إلي جنرالات بلا جنود أو مراكز وجمعيات حقوقية. بمعني أفراد مع المركز العمالي الفلاني وآخرين من مؤسسة كذا ومن ثم تقلصنا من آلاف إلي المئات ثم إلي العشرات!!!وإذا كانت القاهرة هي العاصمة فالجميع يجب أن يحجوا إليها ، عمال الإسكندرية وعمال المحلة وعمال شبين الكوم وعمال السويس الجميع يأتي للقاهرة كأفراد. هل هذه التحركات يمكن أن تصنع تغيير ؟! أين جماهير العمال ؟!هل أصبحنا بديل للعمال؟!

إذا كان هناك قائد عمالي من المحلة مثلا سيحضر يوم مظاهرة أمام مجلس الشعب ويوم ندوة في حزب التجمع ويوم ثالث اجتماع في مركز حقوقي ويوم رابع ورشة عمل في مؤسسة حقوقية. متي يجلس في مصنعه ويناقش مشاكله ؟! وكيف سيجده عمال مصنعه وزملائه ؟! وهل يجور أن اعتبره قائد؟! وهو قائد بلا جنود!!!

لقد حان الوقت لنوقف هذه الهوجة التي لا تحقق مردود وقد ثبت فشلها للمرة المليون.نحن لسنا بديل عن العمال والفلاحين.وواجبنا هو بناء منظمات نقابية مستقلة وأشكال تناسب مختلف مستويات وعي الجماهير. علينا ابتداع أدوات في التواصل مع الجموع وحشدها بشكل ايجابي. هذا هو دورنا وهذا هو واجبنا كما علمتنا الماركسية . فالماركسية ليست نصوص محفوظة أو كتب في مكتباتنا أو أيقونات نحملها وتراتيل نتغني بها بل رؤية ثورية وأداة لقرأة الواقع وتغييره .

إننا لازلنا بعيدين كثيراً عن الماركسية رغم القسم المغلظ بعكس ذلك. لقد استبدلنا أنفسنا بالجماهير وعلينا أن نعيد تصحيح هذه الأخطاء إذا كنا لانزال نتمسك بالاشتراكية كبديل والماركسية كمنهج ورؤية. بدون ذلك سنظل ندعوا لوقفات ومظاهرات لا يحضرها غيرنا والأمن حولنا.ونتعجب لعدم استجابة الجموع ، ونتعجب لتناقص عددنا. بينما العيب فينا وفي أسلوب حركتنا.

حكم القضاء بالحد الأدنى للأجور

تم انتزاع حكم قضائي يلزم الحكومة بتحديد حد أدني للأجور ، ورفع البعض شعار " عايزين نوصل لخط الفقر" وشعار " حد ادني للأجور لا يقل عن 1200 جنيه شهرياً".

نظم عدد من منظمات المجتمع المدني وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء لمطالبة الحكومة بتنفيذ حكم القضاء. لم يتجاوز عدد المشاركين في الوقفة 300 مشارك وشاهدنا أحد القيادات العمالية وهو يهتف " يانظيف يا نظيف الأريل انضف منك ، والصابون أنضف منك" .الغريب أن الجمهور وغالبيتهم من النخبة السياسية والقيادات العمالية اليسارية لم يستنكروا هذا الهتاف واخذوا يرددونه علي إيقاع الطبول!!!

تم الاتفاق علي الدعوة لوقفة أكبر في عيد العمال وتم الحشد الإعلامي لها بشكل غير مسبوق وتحدد لها مكان خلف مجلس الوزراء في شارع حسين حجازي في قلب القاهرة. واستخدمت التكنولوجيا في خدمة القضية بفضل شباب اليسار الذين سجلوا رسائل فيديو قصيرة للنشطاء والفنانين تدعوا العمال للمشاركة في اعتصام يوم 2 مايو .ولا أدري لماذا لم تكن مظاهرة أو وقفة احتجاجية ؟ وهل توجد قوي يمكن أن تنفذ اعتصام قد يمتد لعدة أيام؟!!

نجحت الدعوة في جذب ما بين 500 إلي ألف شخص جميعهم من القيادات اليسارية والعمالية ، وبحكم ضيق الشارع وسهولة غلقه واحكامات الأمن لم ينجح العديد من النشطاء في الوصول للمكان.لكن الجدير بالملاحظة أن غالبية المشاركين معروفين ولم يشارك جمهور حقيقي في الوقفة.هل يرجع ذلك إلي أن العمال غير مهتمين بقضية الحد الأدنى للأجور وهم الذين نفذوا عشرات الاضربات والاعتصامات من أجل الأجور؟!.هل العمال المعتصمين علي رصيف مجلس الوزراء والذين شارك بعضهم في الوقفة غير مهتمين؟!أم أن المشكلة في الأساس ترجع لنا ولأسلوب إدارتنا للمعركة (لن استخدم تعبير الحملة المبتذل في منظمات المجتمع المدني).

ضمت الوقفة كل أطياف العمال واليسار وبعض رموز جماعة الأخوان المسلمين لكن العجيب هو طابع الهتافات. فقد وقف أحد القادة يهتف بالبيان الذي صدر يدعوا للوقفة والجماهير تهتف ورائه. وعندما وصل لأسماء الجهات الموقعة علي البيان أخذ يردد والناس ورائه " يارب بارك يارب زيد " ويعلن اسم جهة موقعة لتردده خلفه الناس وبحيث يقول حزب الكرامة ، فيردد المتظاهرين حزب الكرامة ، "تحت التأسيس" فيرددون تحت التأسيس وهكذا . هل هذه هي شعارات اليسار في مواجهة الأجور. ( هذا الزميل من أنبل قيادات اليسار ولكنه يجسد الأزمة التي نتحدث عنها).ألا يعكس ذلك عمق الأزمة ؟ هل تستجيب الدولة لمعارضة هذا هو حجمها وهذه هي أساليبها؟!

هل قمنا بواجبنا تجاه جموع العمال والموظفين ؟ هل شرحنا لهم قضية الحد الأدنى للأجور وأهميته ؟ هل كتبنا كراسات تناسب مختلف درجات الوعي الاجتماعي بأمثلة من واقع العمال في القطاعات الإنتاجية المختلفة والموظفين والمعلمين والأطباء؟ هل عملنا من أجل بناء نقابات حقيقية تتبني هذه القضية؟! هل اهتمت النشرات المصنعية بالتجهيز لهذه الوقفة؟ وهل لدينا أصلاً نشرات مصنعية ومحلية؟ هل صنعنا أفلام عن قضية الأجور والأسعار وعرضناها علي العمال بعيداً عن اليوتيوب .هل ستنفذ الحكومة حكم المحكمة لأنها تحترم القانون؟! هل ستخاف منا الحكومة لأننا حشدنا ألف شخص أمام مجلس الوزراء؟!

علينا أن نتوقف ونتأمل ما حدث. علينا أن ننسق جهودنا ليكمل بعضها البعض. علينا أن نعلوا فوق الخلافات والمجد الشخصي وعدسات الفضائيات. علينا أن نقوم بدورنا إذا كانت قناعتنا حقيقية ولم نتخلي عنها. علينا أن نبدأ من الآن بلورة رؤية جديدة وأساليب عمل جديدة لكي يصبح الاشتراكيين الماركسيين رقم فاعل في المعادلة السياسية.

لو مش هتحلم معايا

مضطر احلم بنفسى

لكنّى في الحلم حتى

عمري ما هأحلم لنفسي

لو كنت راح أفتش

عن منصب ولا جاه

وأصاحب الحذر

ده أنا أبقى مستحقش حلاوة الحياة

و ضحكة البشر

يا صحبى يا صديقى

ياللى طريقك طريقى

ده أنا يوم ما أعيش لنفسى

ده يوم موتى الحقيقي

إلهامي الميرغني

3/5/2010