بوفيه محطة المنيا
زمان كانت محطة المنيا زى كثير من محطات مصر
خليط من نمط العمارة الانجليزي وأنماط أخري متجاورة.لكن أهم ما كان يميز محطة المنيا
هو ذلك السلم الرخامي العريض الذي يزيد عرضه علي عشر أمتار بارتفاع ثلاثة أدوار .
وعندما تصل المحطة وتنظر من أسفل تبدو لنا كافتيريا محطة المنيا في قمة السلم علي اليسار
بينما غرفة ناظر المحطة والمعاون وبعض المكاتب الإدارية علي اليمين.
في ميدان المحطة كان مقهى سافوي في الواجهة ،ومقهى
أبو جلال في يسار الميدان.
ومقهى أبو جلال لمن لا يعرفه ليس مقهي عادي
يقدم المشروبات والشيشة المعسل مثل باقي المقاهي.بل أنه يقدم طبق من الفول المدمس
بطعم مميز وسلطنية زبادي فخار وكوب من اللبن الحليب الدافئ كان هذا أهم ما يميز هذا
المقهى. ثم تنحني يمينا إلي محل صغير لا تزيد مساحته علي سبع أمتار هو مقر المعلم"
فكورة " متعهد الصحف الرئيسي في المدينة.
كنا ونحن في صدر الشباب نتنقل طوال الليل من
منزل إلي آخر ومن مقهى إلي آخر خاصة في ليالي الشتاء الطويلة ومناقشات حامية في الفن
والثقافة والسياسة. وبرد الشتاء في المنيا قارص بشكل لا يمكن وصفه إلا لمن عايشه.وعندما
يستبد بنا الملل وتعجز حوائط منازلنا علي التخفيف من حدة المناقشات بين مجموعة الأصدقاء
يصبح من الضروري النزول للشارع بعد منتصف الليل ،حيث أغلقت المحلات والمقاهي
أبوابها ولكننا نعرف طريقنا وتقودنا أقدامنا إلي بوفيه محطة المنيا.فهو المكان
الوحيد الذي نضمن انه مفتوح علي مدار ساعات اليوم يستقبل الجميع.نلهو ونصرخ ونحن
نصعد درجاته الطويلة متسابقين. وتغمرنا السعادة ونحن ننزله انزلاقاً علي الدرابزين
بينما جنود الشرطة وعمال المحطة يتصايحون " مش عيب الأفندية المتعلمين ينزلو السلم
زحلجة " . وكنا نحييهم نضحك وننصرف.
في البوفيه تجد فنجان من القهوة أو كوب من الشاي
الدافئ في ليل المدينة الصامت، وسكونها الذي تظنه الموت، ونكمل حواراتنا الساخنة التي
لم تنتهي.
عادة كنا ننتظر وصول قطار الصحافة في الساعة الثالثة
صباحاً إلي محطة المنيا . ثم ننتظر تحميل الصحف إلي دكان المعلم " فكورة "
وعد الصحف وبعد أن يستقر الحال ويبدأ السريحة يحملون صحفهم لينطلقوا ننزل سلم المحطة
لنأخذ صحف الغد ويتفرق الجمع.يذهب كل منا لمنزله ليعد كوب جديد من الشاي ـ كانت الشلة
قد اصطلحت علي تسميته " تباشير الصباح " – نحتسيه ونحن نطالع صحف الغد حتى
يغلبنا النوم.
إلهامي الميرغني
20/11/2014