انطلقت قوي السوق وارتفعت الأسعار دون ضوابط ورغم فشل كل ما يسمي السيطرة علي قوي السوق ومنع الاحتكار ، نتيجة بيع شركات القطاع العام وإطلاق يد شركات الاستثمار في تسعير منتجاتها دون ضوابط وزيادة الاعتماد علي الواردات الأمر الذي قفز بسعر زجاجة الزيت من 1.5 جنيه في يناير عام 1981 إلي 9 جنيه في يناير عام 2008 بنسبة 500%، وسعر البيضة من 9 قروش إلي 60 قرش بنسبة 567% وكيلو المكرونة من 80 قرش إلي 3 جنيهات بنسبة 275%. بل أن سعر كيلو الأرز أرتفع ما بين يوليو 2006 ويوليو 2007 بنسبة30,5% والفول16,5%.في نفس الوقت ظل الحد الأدنى للأجور ثابت عند 35 جنيه بحكم القانون رقم 53 لسنة 1984 ولم يرتفع حتى الآن؟!!!!
إننا نعاني من سوء الإدارة الاقتصادية وزيادة الاعتماد علي الخارج الأمر الذي وصل بعجز الميزان التجاري إلي 57.1 مليار جنيه عام 2004/2005 بل لقد ارتفعت قيمة الواردات من 105.6 مليار جنيه عام 2003/2004 إلي 133.1 مليار جنيه عام 2004/2005 وبزيادة تبلغ 32% في عام واحد ليزداد تآكل قيمة الأجور النقدية التي نحصل عليها.
لقد جاء تقرير معهد التخطيط القومي لعام 2007 ليؤكد ارتفاع متوسط الأجر الأسمي للعامل من 520 جنيه شهريا في عام 2001/2002 إلي 617.4 جنيه شهرياًَ عام 2004/2005 بينما الأجور الحقيقية أي قدرة الجنيه أجر علي شراء السلع والخدمات قد انخفض من 520 جنيه شهرياً إلي 489.9 جنيه شهرياً خلال نفس الفترة. فالعامل الذي كان مرتبه 520 جنيه منذ 4 سنوات وارتفع إلي 617.4 جنيه في 2004/2005 هي في الحقيقة تساوي 489.9 جنيه بأسعار عام 2001 وبذلك حدث انخفاض في الأجر يشعر به الجميع ويعتبرون أن المرتب يتبخر كالبنزين و أن الفلوس قلة بركتها ولكن الحقيقة أن الأجور الحقيقية انخفضت نتيجة إطلاق قوي السوق بلا ضوابط بما يؤدي لمزيد من تدهور معيشة محدودي الدخل من أصحاب الأجور الثابتة .
كما أدي تطبيق سياسات الحكومة إلي المزيد من الخلل في توزيع الدخل حيث انخفض نصيب الأجور من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2001/2002 و2004/2005 من 31.1% إلي 28.2% بينما ارتفعت حقوق عوائد التملك الأخرى من 68.9% إلي 71.8% بما يعكس انحياز هذه السياسات الواضح لصالح الرأسمالية وعلي حساب محدودي الدخل .
لقد أكد د. محمود عبد الحي مدير معهد التخطيط السابق أن سوء توزيع الدخل يقلل من الشعور بزيادة النمو و وقال ، إنه لا يمكن لأي سياسة اقتصادية في مصر أن تنجح مادامت أجور الموظفين الأساسية لا تشكل إلا 25% من دخلهم، كاشفاً أنه دعا المسئولين إلي أن تبدأ المرتبات من 750 إلي1.000 جنيه، كرقم واحد، لكنه ووجه باعتراضات أهمها الخوف من زيادة عبء التأمينات الاجتماعية. هذه شهادات خبراء محايدين.
إننا نواجه عدة مشاكل مرتبطة بقضية الأجور والأسعار أهمها:
ـ تناقص أهمية الأجور الأساسية والتوسع في منح أجور تكميلية في صورة حوافز وبدلات أصبحت تشكل الجزء الرئيسي من الدخل ووجود هوة شاسعة بين الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور.
ـ غياب وجود حد أدني للأجور يتغير بتغير الأسعار ويتحرك دورياً.
ـ خصخصة المرافق والخدمات العامة، تخلي الدولة عن دورها في ضبط الأسعار وترك قوي الاحتكار تتلاعب بالسوق.
ـ عدم وجود آلية واضحة لتنظيم العلاقة بين الأجور والأسعار، إطلاق قوي السوق بلا ضوابط ولا رقابة مما أدي لتدهور معيشة محدودي الدخل.
ـ زيادة الاعتماد علي الخارج والتوسع في الواردات.
ـ سياسة زراعية سيئة تزيد من عجز الميزان الزراعي وانخفاض الاكتفاء الذاتي من مختلف السلع الزراعية.
ـ انخفاض الإنتاجية.
لذلك كان لا بد من مواجهة هذه القضية الحيوية لكل كاسبي الأجور في مصر، وفي الانتخابات النقابية العمالية الأخيرة حددت اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية الحد الأدنى المطلوب لمعيشة أسرة معيشة كريمة هو 1,500 جنيه شهرياً وتوصلت بعد اللجان العمالية الأخرى لتحديده بنحو 1,200 جنيه بينما توصل حزب التجمع إلي إن الحد الأدنى المناسب يكون بحدود 900 جنيه.
وبعد أن كان اتحاد العمال الحكومي يتحدث عن رفع الحد الأدنى للأجور إلي 300 جنيه ونتيجة ضغط القواعد العمالية وانفجار التضخم تم رفع ذلك السقف إلي 600 جنيه وفق التصريحات الأخيرة للسيد حسين مجاور رئيس الاتحاد . ولقد أكدت كافة المنظمات النقابية ومنظمات المجتمع المدني المهمومة بالقضايا العمالية علي ضرورة تفعيل دور المجلس الأعلى للأجور الذي تشكل بالقانون رقم 12 لسنة 2003.
لقد أعلن وزير التنمية الاقتصادية أنه ستتم زيادة الحد الأدنى للأجور إلي 450 جنيه اعتباراً من يوليو القادم ، وان المجلس الأعلى للأجور سيجتمع خلال أيام لتحديد الحد الأدنى للأجور.
إننا نود التأكيد علي أن رفع الحد الأدنى للأجور وحده لا يكفي ما لم يرتبط بتعديل آليات إدارة السوق والاقتصاد . فالزيادة يمكن أن تفجر موجة من التضخم بينما المطلوب المزيد من الرقابة علي الأسعار وتخفيض الواردات وتعديل السياسية الزراعية وزيادة الإنتاجية.
المطلوب دمج الأجور المتغيرة في أجر واحد يكفي معيشة آدمية للمواطن وأسرته ، وتقليل الفروق بين الحد الأدنى والحد الأعلى،وإيجاد آلية تلزم القطاع الخاص بتطبيق الزيادة وعدم قصرها علي القطاع الحكومي فقط ، وإيجاد حل لمشكلة الأجور بالقطاع الخاص غير المنظم . بدون ذلك ستظل المشكلة وتستمر فليس بزيادة الأجور فقط تنصلح الأمور ولكن بحزمة متكاملة من السياسات . فهل الحكومة مستعدة لذلك؟!!!
إلهامي الميرغني
مستشار اقتصادي
16/2/2008
eme55@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق