الاعتداء علي المستشفيات العامة الطريق إلي الخصخصة مفروش بالبلطجية
تحاول الرأسمالية التابعة منذ منتصف
السبعينات خصخصة كل موارد مصر.بدأت بشركات القطاع العام فدمرتها وباعت 407
شركة مقابل 57.3 مليار جنيه رغم أن قيمتها تتجاوز 350 مليار جنيه.وبعد أن
دمرت شركات الزراعة والصناعة توجهت للمرافق والخدمات فألغت هيئة كهربة
الريف وحولت هيئة كهرباء مصر إلي الشركة القابضة لكهرباء مصر، وحولت هيئة
الاتصالات إلي الشركة المصرية للاتصالات وحولت السكك الحديدية ومصر للطيران
إلي شركات قابضة تمهيداً لبيعها.كل ذلك تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي
والبنك الدولي الذي أغرق الحكومات المتعاقبة في الديون.
واتسعت دائرة التخريب والنهب لتشمل قطاعي التعليم والصحة لتدمير ثروة مصر من القوي البشرية. وإذا ركزنا الحديث علي خصخصة الصحة فنجد أنها ترجع لسنوات طويلة بدأت بما سمي مشروع " إستعادة التكلفة " ، ثم " برامج تحسين جودة الأداء" . ثم استحداث نظام العلاج الاقتصادي وتقسيم تكلفة العلاج المجاني حسب ساعات العمل ، ثم التوسع في نظام العلاج علي نفقة الدولة لتغطية الأمراض المزمنة والكارثية مثل جراحات القلب المفتوح وتغيير المفاصل والغسيل الكلوي وعلاج الكبد والسرطان،وكمسكن لتدهور مستوي الخدمات الصحية في المستشفيات العامة.
عام 2003 قام البنك الدولي بتقييم الخطوات التي تمت ووضع إستراتيجية جديدة للإسراع بخطوات خصخصة الرعاية الصحية.وفي عام 2004 بدأ الحزب الوطني يتحدث في مؤتمره السنوي عن رؤيته للصحة من خلال الحديث عن حزمة الخدمات التي يغطيها التأمين الصحي، التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص.وبرز الحديث عن اللامركزية وفصل التمويل عن الخدمة وتبنت وزارة الصحة هذه السياسات في المشاريع المتعاقبة لإصدار قانون التأمين الصحي الاجتماعي.
عبر سنوات حصلت وزارة الصحة علي ملايين الدولارات لتنفيذ مخطط تخريب القطاع الصحي تمهيداً للبيع. وكان ضمن هذه القروض القرض الذي تمت إجازته من البنك الدولي في 29 أكتوبر 2009 بقيمة 76 مليون دولار ( 456 مليون جنيه) لتطوير أنظمة التأمين الصحي. هل تطورت الخدمة بعد كل هذه الملايين التي تم اقتراضها وتسددها الأجيال القادمة؟!!! أم تدهورت وأصبحت محل شكوى من المرضي والأطباء والتمريض، وارتفعت معدلات المرض بين المصريين.
الجبلي وزير بيع الصحة
في 31 يناير 2005 تم تعين رجل الأعمال الدكتور حاتم الجبلي صاحب مستشفي دار الفؤاد وكايرو سكان للأشعة ومعمل البرج ورئيس غرفة مقدمي الخدمات الصحية باتحاد الصناعات وزيراً للصحة .واستمر في الوزارة حتى 31 يناير 2011. كان دور الجبلي استكمال مخطط تدمير الصحة الذي بدء من منتصف السبعينات بخطوات عملية كبيرة وسريعة ومتلاحقة.
1. في 21/3/2007 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 637 بتحويل الهيئة العامة للتأمين الصحي إلي الشركة القابضة للرعاية الصحية والذي نجحت جهود لجنة الدفاع عن الحق في الصحة والمنظمات الحقوقية في الطعن عليه ووقف تنفيذه حتى الآن.
2. قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 2009 بإنشاء هيئة الإسعاف المصرية.
3. قرار وزير الصحة رقم 373 لسنة 2009 بشأن تسعير المستحضرات الصيدلية البشرية علي أساس السعر في 36 دولة وليس علي أساس التكلفة والعائد.
4. قرار وزارتي التنمية المحلية والصحة رقم 674 لسنة 2010 بإصدار اللائحة الأساسية للمستشفيات ووحدات ومراكز الرعاية الصحية وصحة الأسرة التابعة لوحدات الإدارة المحلية.
5. قرار وزير الصحة رقم 428 لسنة 2010 بتنظيم العلاج بأجر في المستشفيات والمعاهد التعليمية التابعة للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية.
هكذا حاول الجبلي خلال تواجده بالوزارة اتخاذ خطوات متسارعة نحو الخصخصة وخرج خلال ثورة يناير ولم يحاكم حتي الآن علي مافعله بصحة المصريين علي مدي خمس سنوات.
بدلاً من تطوير وتحسين جودة الخدمات الصحية ودعم العلاج المجاني، ومنح العاملين بالصحة مرتبات مناسبة. تم تحويل الصحة إلي استثمار وبيزنس ترعاه الحكومة التي تسعي لتأجير المنشآت والمرافق الصحية لرأس المال الأجنبي والخليجي وللقطاع الخاص المصري.
وإذا دخلنا إلي موقع الهيئة العامة للاستثمار في مصر سنجد القطاع الصحي ضمن القطاعات المطروحة أمام الاستثمار الأجنبي والخاص.
http://www.gafinet.org/Arabic/Pages/PotentialInvestmentSectors.aspx
تقول وزارة الاستثمار إنها تستهدف استثمارات في مشروعات بقيمة 1.2 مليار دولار ، وتعطي أمثلة للمشاريع الناجحة مثل مستشفي السلام الدولي والنيل بدراوي ودار الفؤاد ومستشفيات ومراكز المغربي التي حصلت علي قرض بقيمة 45 مليون دولار لبناء ثلاث مستشفيات للعيون في مصر. تري ما هي الفئات الاجتماعية التي تخدمها هذه المشروعات؟!!!
بل وتستمر هيئة الاستثمار في تحفيز المستثمرين فتفاخر بأن أجر الطبيب في مصر 15.4 دولار في الأسبوع أي 61.2 دولار شهرياً ( 367.2 جنيه ) . وتضع الهيئة جدول يوضح أن الأجر الأسبوعي لعامل الزراعة 18.3 دولار ولعامل صيد الأسماك 18.1 دولار بينما أجر عامل التشييد والبناء 41.2 دولار، وعامل التعدين 88.2 دولار وعامل التصنيع 25.6 دولار وعامل الفنادق والمطاعم 27.2 دولار ، والعامل في التعليم 16.2 دولار في الأسبوع.
تري هيئة الاستثمار انه من مزايا الاستثمار في مصر أن أجر المعلم والطبيب أقل من أجر صياد السمك ومبيض المحارة !!!!! ولكي يكتمل المخطط كان من الضروري تخريب التامين الصحي والعلاج المجاني بالمستشفيات العامة لتصبح المستشفيات بمستوي السلام الدولي ودار الفؤاد تخدم من يدفع مقابل الخدمة!!!
المستشفيات العامة
تملك مصر ثروة صحية من المستشفيات والمراكز الصحية التي بنيت عبر سنوات طويلة حتى أصبح لدينا عام 2000 حوالي 1243 مستشفي حكومي تضم 118.5 ألف سرير.وبفضل سياسات الحكومات المتعاقبة المدعومة من الصندوق والبنك وصل عدد المستشفيات العامة عام 2010 إلي 660 مستشفي تضم 99.3 ألف سرير وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
فقد الفقراء في مصر خلال عشر سنوات فقط 583 مستشفي عام، 19.2 ألف سرير. هذا علي مستوي الأعداد الإحصائية ، أما علي مستوي جودة الخدمات فالصورة أكثر قتامة.
شن الجبلي هجوم كبير علي المستشفيات الحكومية في ٧/ ٨/ ٢٠٠٨ : " ناصر العام" أسوأ مستشفي في مصر ، وأثناء زيارته لمستشفي الأقصر العام في ١٥/ ١٠/ ٢٠٠٨ قال " اللي أنا شايفه ده مش مستشفي"، وعند زيارة حميات العباسية في 27/9/2009 قال " تجهيزات حميات العباسية «زبالة».. ونحتاج لتدريب الممرضات علي غسل الأيدي ".
انتقدت الدكتورة سامية جلال، مستشار صحة البيئة لمنظمات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في ٢٤/ ٧/ ٢٠٠٩ الوضع وقالت " إن بيئة المستشفيات المصرية غير صالحة وتعانى التلوث الناتج عن حركة الهواء وزيارات المرضى، وعدم تنظيف خزانات المياه بها. وتابعت: " أقل وصف يمكن أن نصف به المستشفيات - كما يقول الصعايدة - أنها (مطينة بطين)، بخلاف الإفراط في استعمال المضادات الحيوية، مما يزيد من مناعة البكتيريا، وفتحات التكييف والضغطات بها لا يتم تنظيفها منذ تركيبها، و(روحوا شوفوا شكل النظافة في المستشفيات إيه)". واستطردت " إذا أردتم أن تعرفوا حجم المجهودات التي تبذل لتنقية هواء مستشفى مثل (57357)، على سبيل المثال، فإن المستشفى ينفق مليوناً و٩٥ ألف جنيه سنوياً لتنقية هواء المستشفى فقط، أي ما يوازى ٣ آلاف جنيه يومياً".
ـ عام 2007 كشفت دفاتر دخول وخروج المرضي وتقارير العمليات بمستشفي أم المصريين بالجيزة عن ارتفاع نسبة الوفيات فيه بصورة ملحوظة نتيجة حدوث وقائع إهمال داخل غرف العناية المركزة وأثناء وبعد العمليات الجراحية.
ـ حدثت وفيات عديدة في قسم الرعاية المركزة بمستشفي الفيوم في فبراير عام 2009 وقال وزير الصحة أنه أرسل الدكتور ناصر رسمي مساعد الوزير للمستشفى على رأس فريق فني فوجد أن أجهزة الرعاية "المونيتو" غير موصلة بالمرضى وأن رئيس الرعاية أخذ الأجهزة وأخفاها كما وضع كودا على جهاز الأشعة الصوتية حتى لا يستخدمه أحد واتصل بوسائل الإعلام لتأليبها على المستشفى والوزارة !!!
ـ يونيو 2008 انقطاع التيار الكهربائي عن مستشفي المطرية التعليمي وعدم وجود مولدات احتياطية مما أدي لعدة وفيات في الحضانات والرعاية المركزة.
ـ نشرت جريدة البديل في مارس 2009 أن الوضع في مستشفي الزقازيق العام لا يمكن وصفه سوي بأنه مأساوي .. أطباء يصرخون طلبا للنجدة لهم ولمرضاهم «الغلابة».. ووسط هذه الظروف الكارثية كان علي الأطباء أن يحاولوا علاج المرضي.. وقال د. عصمت النمر استشاري الجراحة بمستشفي الزقازيق العام " المكان ما ينفعش يبقي مستشفي .. تلت المستشفي انهار والتلت صدر له قرار إزالة.. والمستشفي بيعالج 7 مليون شرقاوي وهو الوحيد في الزقازيق وأوضح إنهم يضطرون لوضع اثنين من المرضي علي سرير واحد.. ويقول: " هعالج أزاي أتنين علي كل سرير.. هامشي أزاي في الممر وكأني ماشي في زنقة الستات؟".كما حكي د. أيمن عبد الحارس استشاري النساء " إحنا في مبني قديم مافيهوش أسانسير.. ولما ييجي راجل مكسور في حادثة بيطلعوه للدور التالت متشال.. والمباني القديمة سلالمها عالية وغالبا بيقع المصابين بيقعوا من علي التروللي وتتدهور حالتهم".
هذه تجليات الخطة التي وضعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونفذتها الحكومات المتعاقبة ووزراء الصحة المتعاقبين.فما تعاني منه المستشفيات العامة في مصر ليس وليد الانفلات الأمني بعد ثورة 25 يناير فقط ( 18 شهر) بل تمتد جذوره لسنوات مضت تم خلالها تجريف المستشفيات وتدمير كفاءة ومعنويات الفريق الطبي.
منذ سنوات طويلة لكي لا نعلق كل الكوارث علي شماعة الثورة والانفلات الأمني، كانت أقسام الاستقبال والطوارئ تعاني من غياب الأجهزة والمستلزمات الطبية، وكثيراً ما يطلب الأطباء من أهالي المريض شراء المستلزمات من خارج المستشفي أو نقل المريض لمستشفي آخر. وكم من حالة وفاة حدثت والطاقم الطبي عاجز عن تقديم الخدمة المطلوبة نتيجة عطل الأجهزة وغياب المستلزمات . ولن نتحدث هنا عن أجور الأطباء والتمريض وبدل النوباتجيات الذي يحصلون عليه!!!
عندما تحدث حالة وفاة في الاستقبال ربما بسبب تأخر الحضور للمستشفي، أو عدم كفاية المستلزمات أو عطل الأجهزة أو نقص خبرة الطبيب المناوب أو تغيبه. كثيراً ما كان أهل المريض يصبون غضبهم علي الفريق الطبي باعتبارهم ممثلي الدولة التي قتلت أحد أبنائهم.وبدلاً من توجيه غضبهم للدولة والسياسات الصحية المنحازة لمرضي دار الفؤاد والسلام الدولي يكون الفريق الطبي في المستشفي العام هدف للاعتداء.
و" مما زاد الطين مبلة" كما يقول المثل الشعبي ، أن الانفلات الأمني والغياب الشرطي شمل ضمن نطاق غيابه المستشفيات العامة التي أصبحت هدفاً لهجوم المدمنين والبلطجية وأهالي المرضي بصورة متكررة.وحدثت إصابات للعديد من أفراد الفريق الطبي في هذه الهجمات ، وإغلاق أقسام الاستقبال في عدد من المستشفيات الكبرى بالقاهرة مثل القصر العيني الفرنساوي وأم المصريين وأحمد ماهر وسيد جلال.
إن جوهر مشكلة الغياب الأمني في المستشفيات العامة هو أن السخط يوجه لطرف غير المتسبب في المشكلة.
الأطباء والفريق الطبي يطالبون بالحماية أو الإغلاق من هجمات الأهالي والبلطجية.والمرضي وأسرهم يوجهون غضبهم للفريق الطبي باعتباره الدولة وباعتباره المسئول عن نقص الإمكانيات.
بينما العدو المشترك هو سياسات المؤسسات الدولية والحكومية التي تجعل الإنفاق علي الصحة لا يتجاوز 5% بينما المعدل العالمي لا يقل عن 15% من الإنفاق الحكومي .
السياسات التي تجعل المواطن المصري يتحمل 65% من الإنفاق الصحي من جيبه الخاص نتيجة تقلص الإنفاق الحكومي الذي يذهب معظمه للأجور الهزيلة التي يحصل عليها العاملين بالصحة وسداد الفوائد للقروض التي خربت الصحة، بينما الجزء الأصغر يوجه لشراء الأجهزة والمستلزمات والأدوية التي يحتاجها المرضي.
إن سحب الأمن من المستشفيات العامة هو جزء من مخطط الخصخصة الذي يدفع الفرق الطبية والأهالي للمطالبة بإغلاق المستشفيات التي تعجز عن تقديم خدمة صحية بجودة مناسبة.ليتم بعد ذلك طرحها للإيجار للقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي الذي يوفر المستلزمات الطبية والأجهزة ويستأجر الصروح الطبية الحالية بأسعار بخس ويوفر لها شركات أمن خاصة لحمايتها.
لكن ذلك لن يؤدي لتحسين شروط عمل الأطباء والتمريض والإداريين والعمال ، بل سيضعهم تحت شروط العمل الجائر بالقطاع الخاص،أو ليبقوا في وزارة الصحة بأجور هزيلة لا تغني ولا تثمن من جوع . وأما المرضي في بلد تزيد فيه معدلات الفقر عن 43% من السكان. فإما أن يدفعوا تكلفة العلاج في المستشفيات الاستثمارية الجديدة أو يموتوا. هذا هو المخطط الذي يجري تنفيذه منذ شهور.
إن شعار حملة " ماذا أهم من صحة المصريين ؟!" يجب أن يكون شعار لحركة واسعة تضم كل فئات المجتمع من فلاحين وصيادين وعمال وحرفيين وطلاب وعاطلين وموظفين وعمالة غير منتظمة لأنه الحل المتكامل لوقف مخطط الخصخصة وتحسين أجور الفريق الطبي ورفع كفائتهم وتدريبهم وتقديم خدمة صحية بمستوي جودة لائق.
يجب أن توضع الصحة علي رأس أولويات النقابات العمالية ونقابات الفلاحين المستقلة واللجان الشعبية.
علينا أن ننشئ في كل حي وكل قرية وكل مستشفي لجنة للدفاع عن الحق في الصحة ، لجنة تشارك في إدارة المرافق الصحية ومراقبة مستوي جودة الخدمات التي يحصلون عليها في كل المستشفيات العامة والوحدات والمراكز الصحية ، ومعرفة الميزانية المخصصة وكيف يتم إنفاقها وحصيلة صناديق تحسين الخدمة وكيف توزع.
عندما يعرف الطبيب انه يقدم خدمة بمستوي جودة محدد، وان شفاء المريض ومواجهة المرض هي غايته لقاء أجر مناسب وتدريب وتعليم مستمر. وعندما يعرف المريض انه مسئول عن حماية المنشاة الصحية لتستمر في تقديم خدماتها وأنه مسئول عن مراقبة الخدمات التي تقدم.
عندما يتعاون الفريق الطبي والأهالي في الحي المجاور للمستشفي أو الوحدة الصحية من أجل تطوير مستوي الخدمة وزيادة الإنفاق الصحي وزيادة موازنة الصحة من المستوي المحلي وحتي المستوي القومي.
وعندما يعرف المواطن أن الخدمة الصحية المجانية حق بمستوي جودة لائق ويجب أن يدافع عنها.
عندما تتوحد جهود المرضي والفريق الطبي للدفاع عن صحة المصريين ستوجه جهودهم معاً ليست لوزير الصحة أو وزير الداخلية. بل ستوجه حركتهم المشتركة للسياسات الصحية التي تريد تحويل كل مستشفيات مصر إلي دار الفؤاد والسلام الدولي تعالج من يملك التكلفة ومن لا يملك يموت في طوابير لا تنتهي ليحصل علي خدمة غير لائقة. فما ضاع حق ورائه مطالب.
واتسعت دائرة التخريب والنهب لتشمل قطاعي التعليم والصحة لتدمير ثروة مصر من القوي البشرية. وإذا ركزنا الحديث علي خصخصة الصحة فنجد أنها ترجع لسنوات طويلة بدأت بما سمي مشروع " إستعادة التكلفة " ، ثم " برامج تحسين جودة الأداء" . ثم استحداث نظام العلاج الاقتصادي وتقسيم تكلفة العلاج المجاني حسب ساعات العمل ، ثم التوسع في نظام العلاج علي نفقة الدولة لتغطية الأمراض المزمنة والكارثية مثل جراحات القلب المفتوح وتغيير المفاصل والغسيل الكلوي وعلاج الكبد والسرطان،وكمسكن لتدهور مستوي الخدمات الصحية في المستشفيات العامة.
عام 2003 قام البنك الدولي بتقييم الخطوات التي تمت ووضع إستراتيجية جديدة للإسراع بخطوات خصخصة الرعاية الصحية.وفي عام 2004 بدأ الحزب الوطني يتحدث في مؤتمره السنوي عن رؤيته للصحة من خلال الحديث عن حزمة الخدمات التي يغطيها التأمين الصحي، التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص.وبرز الحديث عن اللامركزية وفصل التمويل عن الخدمة وتبنت وزارة الصحة هذه السياسات في المشاريع المتعاقبة لإصدار قانون التأمين الصحي الاجتماعي.
عبر سنوات حصلت وزارة الصحة علي ملايين الدولارات لتنفيذ مخطط تخريب القطاع الصحي تمهيداً للبيع. وكان ضمن هذه القروض القرض الذي تمت إجازته من البنك الدولي في 29 أكتوبر 2009 بقيمة 76 مليون دولار ( 456 مليون جنيه) لتطوير أنظمة التأمين الصحي. هل تطورت الخدمة بعد كل هذه الملايين التي تم اقتراضها وتسددها الأجيال القادمة؟!!! أم تدهورت وأصبحت محل شكوى من المرضي والأطباء والتمريض، وارتفعت معدلات المرض بين المصريين.
الجبلي وزير بيع الصحة
في 31 يناير 2005 تم تعين رجل الأعمال الدكتور حاتم الجبلي صاحب مستشفي دار الفؤاد وكايرو سكان للأشعة ومعمل البرج ورئيس غرفة مقدمي الخدمات الصحية باتحاد الصناعات وزيراً للصحة .واستمر في الوزارة حتى 31 يناير 2011. كان دور الجبلي استكمال مخطط تدمير الصحة الذي بدء من منتصف السبعينات بخطوات عملية كبيرة وسريعة ومتلاحقة.
1. في 21/3/2007 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 637 بتحويل الهيئة العامة للتأمين الصحي إلي الشركة القابضة للرعاية الصحية والذي نجحت جهود لجنة الدفاع عن الحق في الصحة والمنظمات الحقوقية في الطعن عليه ووقف تنفيذه حتى الآن.
2. قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 2009 بإنشاء هيئة الإسعاف المصرية.
3. قرار وزير الصحة رقم 373 لسنة 2009 بشأن تسعير المستحضرات الصيدلية البشرية علي أساس السعر في 36 دولة وليس علي أساس التكلفة والعائد.
4. قرار وزارتي التنمية المحلية والصحة رقم 674 لسنة 2010 بإصدار اللائحة الأساسية للمستشفيات ووحدات ومراكز الرعاية الصحية وصحة الأسرة التابعة لوحدات الإدارة المحلية.
5. قرار وزير الصحة رقم 428 لسنة 2010 بتنظيم العلاج بأجر في المستشفيات والمعاهد التعليمية التابعة للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية.
هكذا حاول الجبلي خلال تواجده بالوزارة اتخاذ خطوات متسارعة نحو الخصخصة وخرج خلال ثورة يناير ولم يحاكم حتي الآن علي مافعله بصحة المصريين علي مدي خمس سنوات.
بدلاً من تطوير وتحسين جودة الخدمات الصحية ودعم العلاج المجاني، ومنح العاملين بالصحة مرتبات مناسبة. تم تحويل الصحة إلي استثمار وبيزنس ترعاه الحكومة التي تسعي لتأجير المنشآت والمرافق الصحية لرأس المال الأجنبي والخليجي وللقطاع الخاص المصري.
وإذا دخلنا إلي موقع الهيئة العامة للاستثمار في مصر سنجد القطاع الصحي ضمن القطاعات المطروحة أمام الاستثمار الأجنبي والخاص.
http://www.gafinet.org/Arabic/Pages/PotentialInvestmentSectors.aspx
تقول وزارة الاستثمار إنها تستهدف استثمارات في مشروعات بقيمة 1.2 مليار دولار ، وتعطي أمثلة للمشاريع الناجحة مثل مستشفي السلام الدولي والنيل بدراوي ودار الفؤاد ومستشفيات ومراكز المغربي التي حصلت علي قرض بقيمة 45 مليون دولار لبناء ثلاث مستشفيات للعيون في مصر. تري ما هي الفئات الاجتماعية التي تخدمها هذه المشروعات؟!!!
بل وتستمر هيئة الاستثمار في تحفيز المستثمرين فتفاخر بأن أجر الطبيب في مصر 15.4 دولار في الأسبوع أي 61.2 دولار شهرياً ( 367.2 جنيه ) . وتضع الهيئة جدول يوضح أن الأجر الأسبوعي لعامل الزراعة 18.3 دولار ولعامل صيد الأسماك 18.1 دولار بينما أجر عامل التشييد والبناء 41.2 دولار، وعامل التعدين 88.2 دولار وعامل التصنيع 25.6 دولار وعامل الفنادق والمطاعم 27.2 دولار ، والعامل في التعليم 16.2 دولار في الأسبوع.
تري هيئة الاستثمار انه من مزايا الاستثمار في مصر أن أجر المعلم والطبيب أقل من أجر صياد السمك ومبيض المحارة !!!!! ولكي يكتمل المخطط كان من الضروري تخريب التامين الصحي والعلاج المجاني بالمستشفيات العامة لتصبح المستشفيات بمستوي السلام الدولي ودار الفؤاد تخدم من يدفع مقابل الخدمة!!!
المستشفيات العامة
تملك مصر ثروة صحية من المستشفيات والمراكز الصحية التي بنيت عبر سنوات طويلة حتى أصبح لدينا عام 2000 حوالي 1243 مستشفي حكومي تضم 118.5 ألف سرير.وبفضل سياسات الحكومات المتعاقبة المدعومة من الصندوق والبنك وصل عدد المستشفيات العامة عام 2010 إلي 660 مستشفي تضم 99.3 ألف سرير وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
فقد الفقراء في مصر خلال عشر سنوات فقط 583 مستشفي عام، 19.2 ألف سرير. هذا علي مستوي الأعداد الإحصائية ، أما علي مستوي جودة الخدمات فالصورة أكثر قتامة.
شن الجبلي هجوم كبير علي المستشفيات الحكومية في ٧/ ٨/ ٢٠٠٨ : " ناصر العام" أسوأ مستشفي في مصر ، وأثناء زيارته لمستشفي الأقصر العام في ١٥/ ١٠/ ٢٠٠٨ قال " اللي أنا شايفه ده مش مستشفي"، وعند زيارة حميات العباسية في 27/9/2009 قال " تجهيزات حميات العباسية «زبالة».. ونحتاج لتدريب الممرضات علي غسل الأيدي ".
انتقدت الدكتورة سامية جلال، مستشار صحة البيئة لمنظمات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في ٢٤/ ٧/ ٢٠٠٩ الوضع وقالت " إن بيئة المستشفيات المصرية غير صالحة وتعانى التلوث الناتج عن حركة الهواء وزيارات المرضى، وعدم تنظيف خزانات المياه بها. وتابعت: " أقل وصف يمكن أن نصف به المستشفيات - كما يقول الصعايدة - أنها (مطينة بطين)، بخلاف الإفراط في استعمال المضادات الحيوية، مما يزيد من مناعة البكتيريا، وفتحات التكييف والضغطات بها لا يتم تنظيفها منذ تركيبها، و(روحوا شوفوا شكل النظافة في المستشفيات إيه)". واستطردت " إذا أردتم أن تعرفوا حجم المجهودات التي تبذل لتنقية هواء مستشفى مثل (57357)، على سبيل المثال، فإن المستشفى ينفق مليوناً و٩٥ ألف جنيه سنوياً لتنقية هواء المستشفى فقط، أي ما يوازى ٣ آلاف جنيه يومياً".
ـ عام 2007 كشفت دفاتر دخول وخروج المرضي وتقارير العمليات بمستشفي أم المصريين بالجيزة عن ارتفاع نسبة الوفيات فيه بصورة ملحوظة نتيجة حدوث وقائع إهمال داخل غرف العناية المركزة وأثناء وبعد العمليات الجراحية.
ـ حدثت وفيات عديدة في قسم الرعاية المركزة بمستشفي الفيوم في فبراير عام 2009 وقال وزير الصحة أنه أرسل الدكتور ناصر رسمي مساعد الوزير للمستشفى على رأس فريق فني فوجد أن أجهزة الرعاية "المونيتو" غير موصلة بالمرضى وأن رئيس الرعاية أخذ الأجهزة وأخفاها كما وضع كودا على جهاز الأشعة الصوتية حتى لا يستخدمه أحد واتصل بوسائل الإعلام لتأليبها على المستشفى والوزارة !!!
ـ يونيو 2008 انقطاع التيار الكهربائي عن مستشفي المطرية التعليمي وعدم وجود مولدات احتياطية مما أدي لعدة وفيات في الحضانات والرعاية المركزة.
ـ نشرت جريدة البديل في مارس 2009 أن الوضع في مستشفي الزقازيق العام لا يمكن وصفه سوي بأنه مأساوي .. أطباء يصرخون طلبا للنجدة لهم ولمرضاهم «الغلابة».. ووسط هذه الظروف الكارثية كان علي الأطباء أن يحاولوا علاج المرضي.. وقال د. عصمت النمر استشاري الجراحة بمستشفي الزقازيق العام " المكان ما ينفعش يبقي مستشفي .. تلت المستشفي انهار والتلت صدر له قرار إزالة.. والمستشفي بيعالج 7 مليون شرقاوي وهو الوحيد في الزقازيق وأوضح إنهم يضطرون لوضع اثنين من المرضي علي سرير واحد.. ويقول: " هعالج أزاي أتنين علي كل سرير.. هامشي أزاي في الممر وكأني ماشي في زنقة الستات؟".كما حكي د. أيمن عبد الحارس استشاري النساء " إحنا في مبني قديم مافيهوش أسانسير.. ولما ييجي راجل مكسور في حادثة بيطلعوه للدور التالت متشال.. والمباني القديمة سلالمها عالية وغالبا بيقع المصابين بيقعوا من علي التروللي وتتدهور حالتهم".
هذه تجليات الخطة التي وضعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونفذتها الحكومات المتعاقبة ووزراء الصحة المتعاقبين.فما تعاني منه المستشفيات العامة في مصر ليس وليد الانفلات الأمني بعد ثورة 25 يناير فقط ( 18 شهر) بل تمتد جذوره لسنوات مضت تم خلالها تجريف المستشفيات وتدمير كفاءة ومعنويات الفريق الطبي.
منذ سنوات طويلة لكي لا نعلق كل الكوارث علي شماعة الثورة والانفلات الأمني، كانت أقسام الاستقبال والطوارئ تعاني من غياب الأجهزة والمستلزمات الطبية، وكثيراً ما يطلب الأطباء من أهالي المريض شراء المستلزمات من خارج المستشفي أو نقل المريض لمستشفي آخر. وكم من حالة وفاة حدثت والطاقم الطبي عاجز عن تقديم الخدمة المطلوبة نتيجة عطل الأجهزة وغياب المستلزمات . ولن نتحدث هنا عن أجور الأطباء والتمريض وبدل النوباتجيات الذي يحصلون عليه!!!
عندما تحدث حالة وفاة في الاستقبال ربما بسبب تأخر الحضور للمستشفي، أو عدم كفاية المستلزمات أو عطل الأجهزة أو نقص خبرة الطبيب المناوب أو تغيبه. كثيراً ما كان أهل المريض يصبون غضبهم علي الفريق الطبي باعتبارهم ممثلي الدولة التي قتلت أحد أبنائهم.وبدلاً من توجيه غضبهم للدولة والسياسات الصحية المنحازة لمرضي دار الفؤاد والسلام الدولي يكون الفريق الطبي في المستشفي العام هدف للاعتداء.
و" مما زاد الطين مبلة" كما يقول المثل الشعبي ، أن الانفلات الأمني والغياب الشرطي شمل ضمن نطاق غيابه المستشفيات العامة التي أصبحت هدفاً لهجوم المدمنين والبلطجية وأهالي المرضي بصورة متكررة.وحدثت إصابات للعديد من أفراد الفريق الطبي في هذه الهجمات ، وإغلاق أقسام الاستقبال في عدد من المستشفيات الكبرى بالقاهرة مثل القصر العيني الفرنساوي وأم المصريين وأحمد ماهر وسيد جلال.
إن جوهر مشكلة الغياب الأمني في المستشفيات العامة هو أن السخط يوجه لطرف غير المتسبب في المشكلة.
الأطباء والفريق الطبي يطالبون بالحماية أو الإغلاق من هجمات الأهالي والبلطجية.والمرضي وأسرهم يوجهون غضبهم للفريق الطبي باعتباره الدولة وباعتباره المسئول عن نقص الإمكانيات.
بينما العدو المشترك هو سياسات المؤسسات الدولية والحكومية التي تجعل الإنفاق علي الصحة لا يتجاوز 5% بينما المعدل العالمي لا يقل عن 15% من الإنفاق الحكومي .
السياسات التي تجعل المواطن المصري يتحمل 65% من الإنفاق الصحي من جيبه الخاص نتيجة تقلص الإنفاق الحكومي الذي يذهب معظمه للأجور الهزيلة التي يحصل عليها العاملين بالصحة وسداد الفوائد للقروض التي خربت الصحة، بينما الجزء الأصغر يوجه لشراء الأجهزة والمستلزمات والأدوية التي يحتاجها المرضي.
إن سحب الأمن من المستشفيات العامة هو جزء من مخطط الخصخصة الذي يدفع الفرق الطبية والأهالي للمطالبة بإغلاق المستشفيات التي تعجز عن تقديم خدمة صحية بجودة مناسبة.ليتم بعد ذلك طرحها للإيجار للقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي الذي يوفر المستلزمات الطبية والأجهزة ويستأجر الصروح الطبية الحالية بأسعار بخس ويوفر لها شركات أمن خاصة لحمايتها.
لكن ذلك لن يؤدي لتحسين شروط عمل الأطباء والتمريض والإداريين والعمال ، بل سيضعهم تحت شروط العمل الجائر بالقطاع الخاص،أو ليبقوا في وزارة الصحة بأجور هزيلة لا تغني ولا تثمن من جوع . وأما المرضي في بلد تزيد فيه معدلات الفقر عن 43% من السكان. فإما أن يدفعوا تكلفة العلاج في المستشفيات الاستثمارية الجديدة أو يموتوا. هذا هو المخطط الذي يجري تنفيذه منذ شهور.
إن شعار حملة " ماذا أهم من صحة المصريين ؟!" يجب أن يكون شعار لحركة واسعة تضم كل فئات المجتمع من فلاحين وصيادين وعمال وحرفيين وطلاب وعاطلين وموظفين وعمالة غير منتظمة لأنه الحل المتكامل لوقف مخطط الخصخصة وتحسين أجور الفريق الطبي ورفع كفائتهم وتدريبهم وتقديم خدمة صحية بمستوي جودة لائق.
يجب أن توضع الصحة علي رأس أولويات النقابات العمالية ونقابات الفلاحين المستقلة واللجان الشعبية.
علينا أن ننشئ في كل حي وكل قرية وكل مستشفي لجنة للدفاع عن الحق في الصحة ، لجنة تشارك في إدارة المرافق الصحية ومراقبة مستوي جودة الخدمات التي يحصلون عليها في كل المستشفيات العامة والوحدات والمراكز الصحية ، ومعرفة الميزانية المخصصة وكيف يتم إنفاقها وحصيلة صناديق تحسين الخدمة وكيف توزع.
عندما يعرف الطبيب انه يقدم خدمة بمستوي جودة محدد، وان شفاء المريض ومواجهة المرض هي غايته لقاء أجر مناسب وتدريب وتعليم مستمر. وعندما يعرف المريض انه مسئول عن حماية المنشاة الصحية لتستمر في تقديم خدماتها وأنه مسئول عن مراقبة الخدمات التي تقدم.
عندما يتعاون الفريق الطبي والأهالي في الحي المجاور للمستشفي أو الوحدة الصحية من أجل تطوير مستوي الخدمة وزيادة الإنفاق الصحي وزيادة موازنة الصحة من المستوي المحلي وحتي المستوي القومي.
وعندما يعرف المواطن أن الخدمة الصحية المجانية حق بمستوي جودة لائق ويجب أن يدافع عنها.
عندما تتوحد جهود المرضي والفريق الطبي للدفاع عن صحة المصريين ستوجه جهودهم معاً ليست لوزير الصحة أو وزير الداخلية. بل ستوجه حركتهم المشتركة للسياسات الصحية التي تريد تحويل كل مستشفيات مصر إلي دار الفؤاد والسلام الدولي تعالج من يملك التكلفة ومن لا يملك يموت في طوابير لا تنتهي ليحصل علي خدمة غير لائقة. فما ضاع حق ورائه مطالب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق