القروض والخصخصة والسكك الحديدية
منذ سنوات بدأت خطة خصخصة المرافق والخدمات العامة والتي بدأت بتغيير قانون
الموازنة العامة للدولة بالقانون رقم 11 لسنة 1979 والذي اخرج موازنة الهيئات
الاقتصادية من نطاق الموازنة العامة للدولة ومنها هيئة سكك حديد مصر.كما تم تعديل القانون رقم 152 لسنة 1980 الذي اعتبر هيئة السكك الحديدية هيئة اقتصادية
حكومية ليسمح للقطاع الخاص بالمشاركة في تطوير أنشطة الهيئة. واكثر منذ ذلك سمح
للهيئة بالحصول علي قروض مباشرة من جهات تمويل دولية أو ترك التعامل بينها وبين
البنك الدولي بدون رقابة من الدولة.
عام 2009 حصلت مصر علي قرض من البنك
الدولي للإنشاء والتعمير ( البنك الذي رفض تمويل السد العالي ) بقيمة 270 مليون
دولار لتطوير هيئة السكك الحديدية وصدر بالقرض القرار الجمهوري رقم 386 لسنة 2009
. وبدلاً من توجيه القرض لتمويل تطوير حقيقي لمرافق الهيئة من قطارات واشارات
وخطوط سير وصيانة انفق القرض علي تجديد بعض المحطات مثل محطات القاهرة وسيدي جابر
وغيرها واهدرت ملايين في فساد عقود المقاولات الخاصة بتجديد المحطات.
كما حصلت الهيئة في عام 2010 علي قرض
أخر من البنك الدولي بقيمة 330 مليون دولار بغرض تحسين كفاءة وسلامة خدمات السكك الحديدية
وإمكانية التعويل عليها من خلال الاستثمار في تحديث نظم الإشارات وتجديد خطوط السكك
الحديدية ، وتحديث ممارسات الهيئة المتصلة بالإدارة والتشغيل. والتحديث
وفق لعرف البنك الدولي ومن لف لفه مقصود به التجهيز للخصخصة.لذلك بدء تقسيم الهيئة
إلي شركات مثل شركة عربات الأكل والنوم ، وشركة الخدمات المتكاملة للتأمين والنظافة،
الشركة المصرية لمشروعات السكك الحديدية والنقل (ERJET ) وغيرها من الشركات.
لم يتغير الوضع بعد الثورة واستمرت
سياسات القروض الخارجية والافساد والخصخصة،وقد صرح أشرف العربى وزير التخطيط والتعاون
الدولى، إن الحكومة تستهدف إصلاح المنظومة المالية والإدارية الخاصة بهيئة السكك الحديدية
من خلال ضخ استثمارات بقيمة 600 مليون دولار على هيئة قروض مقدمة من البنك الدولى و180
مليون دولار أخرى من الجانب الأوربى. ( اليوم السابع يوم 25 - 11 – 2012) . لم
تكتفي الحكومة الجديدة بالقروض القائمة بل أضافت إليها 780 مليون دولار أي ما
يعادل 4.7 مليار جنيه.والتطوير تقوم به شركة أجنبية لإعادة هيكلة الهيئة وتجهيزها
للخصخصة.
تشكل القروض مجال هام للفساد بجانب
عقود الشراء والمقاولات الفاسدة ومن اموال القروض تم شراء 40 جرار من شركة جنرال اليكتريك
الأمريكية بقيمة 2 مليار جنيه قبل الثورة وعندما بدء الاعلام يلاحق الصفقة في عهد وزارة
محمد منصور شيفورليه تم حرق إدارة العقود والمشتريات في الهيئة لاخفاء معالم الجريمة.
ذكر يحيى ابراهيم نائب رئيس هيئة السكة
الحديد للشئون المالية والاقتصادية أن هيئة السكة الحديد تحتاج 5 مليارات جنيه ميزانية
سنوية فورية التمويل لضمان تنفيذ خطة التطوير العشرية ، واكد ابراهيم أن الهيئة اعدت
دراسة بأبرز المشكلات الاقتصادية والمالية التى تواجه السكك الحديدية فى مصر تقترح
تمويل الخطط التى يتم إعدادها خلال الفترة المقبلة عن طريق سلة تمويلية تشارك فيها
البنوك المصرية والأجنبية لتمويل الهيئة بـ 50 مليار جنيه على مدار الـ 10 سنوات المقبلة.
وتتبنى الدراسة مقترحاً بزيادة سعر التذكرة فى ساعات الذروة الصباحية والمسائية
وفى الأعياد والعطلات الرسمية لإعادة توزيع الركاب على القطارات. ( جريدة
البورصة 11 ديسمبر 2012 ).
هكذا تكتمل حلقات المخطط قروض فاسدة
يقودها البنك الدولي لتفكيك الهيئة وتكبيل مصر وهو مستمر في ظل الحكومة الأخيرة
ولكن الهدف هو تفتيت الهيئة لشركات ثم رفع سعر تذكرة الركوب علي الركاب الفقراء.هذا
هو جوهر سياسات ما يسمونه اصلاح التمويل بالهيئة.
وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة
العامة والإحصاء والكتاب الاحصائي السنوي لعام 2012 انخفض عدد القطارات من 452 ألف
عام 2001 الي 382 ألف عام 2010 ، انخفض عدد ركاب السكك الحديدية من 424 مليون الي
293 مليون ليس بسبب ارتفاع دخل الركاب أو انهم اصبحوا اغنياء ويملكون سيارات خاصة ولكنه
نتيجة انخفاض عدد القطارات السياحية من 24 الف قطار الي 9 الاف قطار بينما زادت القطارات
المكيفة من 20 الف قطار الي 27.4 الف قطار.اي يتم تقليص اعداد القطارات لصالح
القطارات المكيفة.كما ارتفع عدد حوادث القطارات من 1043 حادث عام 2005 الي 1577 عام
2009 و 1057 عام 2010 ووصل الي 837 عام 2011.
منذ إضراب سائقي القطارات عام 1986
والذي انتهي ببراءة جميع السائقين والذي جاء في منطوق الحكم " والمحكمة
وقد استقر فى وجدانها أن ذلك الإضراب ما كان يحدث من تلك الفئة من العمال – وقد كانت
مثالا للالتزام والتضحية – إلا عندما أحست بالتفرقة فى المعاملة والمعاناة عن كاهل
فئات الشعب حتى لا يستفحل الداء ويعز الدواء" .
واستمرت نضالات سائقي وعمال السكك
الحديدية ومترو الأنفاق منذ 1986 وحتي الآن تطالب بمواجهة الفساد وإصلاح الهيئة
دون مجيب. لو تاملنا مطالب عمال السكك الحديدية ومترو الانفاق بعد الثورة نجدها
تتحدث عن التطهير من الفساد وتطوير الخطوط والمزلقانات والاشارات وتطوير الخدمة
بجانب تحسين الأوضاع المادية للعمال ليكونوا قادرين علي أداء عملهم.ورغم ذلك
يتهمون بالفئوية.
إن حوادث القطارات من قطار البدرشين
منذ شهور إلي تصادم قطاري الفيوم ثم حادث مزلقان منفلوط واخيرا حادث البدرشين كلها
تؤكد ما طالبت به النقابات المستقلة في كفاحها من أجل التطوير والتطهير من الفساد.
لذلك فإن التصدي لمخطط الديون والخصخصة
والفساد هو مسئولية مشتركة بين عمال السكك الحديدية وركاب القطارات.علينا ان نشكل
روابط ولجان شعبية لمراقبة إداء مرفق السكك الحديدية وكافة المرافق والخدمات العامة،
لنضع معايير لجودة الخدمة ونفرض علي إدارة المرافق والخدمات العامة مشاركة
المنتفعين في إدارة هذه المرافق الحيوية.مصر ليست عزبة.علينا ان نتحرك لوقف نزيف
الدماء المصرية من علي قضبان السكك الحديدية.
إلهامي الميرغني
16/1/2013