ارتفاع الأسعار إلي أين؟!
الأكل والشرْبْ في أيدْ اللومَنجِيٌه
والطماعين اللي غلوا الملح والمَيٌهْ
والغشاشين اللي فاقوا ع الحرامية
الشاي بالمفتشر مخلوط ملوخية
والبن فيه الشعير تسعين في الميه
والعيش برملة وطينة يا مناخليه
واللحم معروض بدون أختام رسمية
والميه هيه اللبن ولا اللبن هيه
أفاعي متَسيبَةْ من غير رفاعية
ودنيا مترتبة ترتيب فلاتيه
بيرم التونسي
لما طال أمد هذا البلاء المبين ، وحل فيه بالخلق أنواع العذاب المهين، ظن كثير من الناس أن هذه المحن لم يكن فيما مضي مثلها ولا مر في زمن شبهها، وتجاوزوا الحد فقالوا لا يمكن زوالها ولا يكون أبداً عن الحق انفصالها، وذلك أنهم قوم لا يفقهون ، وبأسباب الحوادث جاهلون، ومع العوائد واقفون ،ومن روح الله آيسون. ومن تأمل هذا الحادث من بدايته إلي نهايته ، وعرفه من أوله إلي غايته ، علم إن ما بالناس سوي سوء تدبير الزعماء والحكام ، وغفلتهم عن النظر في مصالح العباد.
تقي الدين أحمد بن علي المقريزي
1365 ـ 1441
لكي نناقش الغلاء الذي نعيشه توجد عدة أسئلة مطروحة للمناقشة منها:
ـ هل الغلاء قدر محتم لا يمكن الفكاك منه؟
ـ هل الغلاء ظاهرة عالمية ولا يمكن مواجهته محلياً؟
ـ هل يمكن وضع سياسات لمكافحة الغلاء؟
منذ أكثر من 600 سنة توصل العلامة تقي الدين المقريزي إلي أن الغلاء من فعل البشر وليس مجرد ابتلاء من الله وأن قوانين السوق والإفراط في إصدار النقود هو أحد أساب شدة الغلاء . ووصف المقريزي الشدة المستنصرية وأوضاع المجاعة التي حدثت في مصر في تلك الفترة. لذلك سأعرض في عجالة لمحورين رئيسيين هما:ما هي أساب الغلاء ؟ ، وما هي أساليب مواجهة الغلاء؟
أسباب الغلاء
توجد عدة أسباب للغلاء الذي تعيشه مصر منذ سنوات والذي اشتدت وطأته في السنوات الأخيرة حتى أصبح أكثر من نصف المصريين يعيشون تحت خط الفقر حيث يوجد خلل هيكلي يتمثل فيما يلي :
1 ـ خلل هيكل الاقتصاد المصري وتقلص دور قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي لصالح قطاع الخدمات مثل النقل والتخزين والاتصالات والأنشطة العقارية. ويقدر الناتج المحلي الإجمالي عام 2005/2006 بحوالي 426.1 مليار جنيه 56% منها تأتي من قطاع الخدمات.كما انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من 9.2% عام 1976 إلي 4.4% عام 2003/2004.
ترتب علي ذلك تزايد الاعتماد علي الخارج لتوفير المنتجات الزراعية والصناعية.
2 ـ التحول الاقتصادي من القطاع العام إلي القطاع الخاص بعد أن كان القطاع العام يشكل 85% من الاستثمارات الإجمالية عام 1975 انخفض إلي 65% عام 1995 ثم وصل إلي 57.3% عام 2003/2004 ، بالمقابل ارتفعت مساهمات القطاع الخاص من 15% إلي 35% ثم وصلت 42.7% . تواكب مع ذلك إلغاء التسعيرة الجبرية وإطلاق حرية السوق بحيث يحدد القطاع الخاص الأسعار دون تدخل من الدولة مع منحه المزيد من الإعفاءات الضريبية والجمركية وتجميد البطاقات التموينية والمجمعات الاستهلاكية.
النتيجة انفلات الأسعار دون رقابة من الدولة وظهور الاحتكارات في المواد الغذائية ومواد البناء.
3 ـ زيادة الاعتماد علي الخارج لاستيراد السلع الغذائية والاستهلاكية بما انعكس علي عجز الميزان التجاري الذي ارتفع من 2 مليار دولار عام 1977 إلي 8.6 مليار دولار عام 1997 ثم وصل إلي 10.4 مليار دولار عام 2005. كما تمثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي 50% من الواردات المصرية عام 2004 .وتشكل واردات المواد الغذائية حوالي 23% من إجمالي الواردات المصرية.
يؤدي ذلك إلي خضوع مصر للشروط التي تحددها هذه الدول وانعكاس قيمة الدولار واليورو علي تكلفة الواردات المصرية والحديث عما يعرف بالغلاء العالمي.
4 ـ عجز الموازنة العامة وزيادة حجم الديون المحلية والأجنبية حيث ارتفع عجز الموازنة من 1.4 مليار جنيه عام 1975 إلي 2.5 مليار عام 1995 ثم 12.8 مليار عام 2000 ووصل إلي 58.7 مليار جنيه في موازنة العام الحالي 2007/2008 . تدبر الحكومة العجز بالاقتراض من الخارج والذي بلغ 29 مليار دولار عام 2005 أي حوالي 161 مليار جنيه تدفع الحكومة أكثر من 12 مليار جنيه لسداد الفوائد والأقساط ، كما ارتفعت الديون المحلية حتى وصلت إلي 350 مليار جنيه. كما ارتفع حجم النقد المصدر من 35.6 مليار جنيه عام 1999 إلي 67.7 مليار جنيه عام 2005 .
نتيجة ذلك استولت الحكومة علي 270 مليار جنيه من أموال المعاشات وغرقت في الديون المحلية والأجنبية ، وتوسعت في الإصدار النقدي بدون إنتاج مقابل مما يعني ضخ ورق بنكنوت في السوق بما يساهم في اشتعال الأسعار. وراحت تبحث عن تخفيض قيمة الدعم الغذائي بما يؤدي للمزيد من ارتفاع الأسعار.
تتفاعل هذه العوامل معاً لتزيد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار بحيث أصبح الغلاء ظاهرة يعاني منها غالبية المجتمع ، كما يلعب التضخم دور في إعادة توزيع الدخل لصالح الفئات الأعلى بينما تتدهور أحوال الملايين إلي تحت خط الفقر.كما يتضح أن الغلاء ليس في غالبيته مستورد بل يعود بشكل رئيسي لاختلالات هيكلية وأسلوب إدارة اقتصادية يراعي مصالح رجال الأعمال والرأسمالية المتوحشة والاحتكارات العالمية دون النظر لتأثير ذلك علي الفقراء.
الأكل والشرْبْ في أيدْ اللومَنجِيٌه
والطماعين اللي غلوا الملح والمَيٌهْ
والغشاشين اللي فاقوا ع الحرامية
الشاي بالمفتشر مخلوط ملوخية
والبن فيه الشعير تسعين في الميه
والعيش برملة وطينة يا مناخليه
واللحم معروض بدون أختام رسمية
والميه هيه اللبن ولا اللبن هيه
أفاعي متَسيبَةْ من غير رفاعية
ودنيا مترتبة ترتيب فلاتيه
بيرم التونسي
لما طال أمد هذا البلاء المبين ، وحل فيه بالخلق أنواع العذاب المهين، ظن كثير من الناس أن هذه المحن لم يكن فيما مضي مثلها ولا مر في زمن شبهها، وتجاوزوا الحد فقالوا لا يمكن زوالها ولا يكون أبداً عن الحق انفصالها، وذلك أنهم قوم لا يفقهون ، وبأسباب الحوادث جاهلون، ومع العوائد واقفون ،ومن روح الله آيسون. ومن تأمل هذا الحادث من بدايته إلي نهايته ، وعرفه من أوله إلي غايته ، علم إن ما بالناس سوي سوء تدبير الزعماء والحكام ، وغفلتهم عن النظر في مصالح العباد.
تقي الدين أحمد بن علي المقريزي
1365 ـ 1441
لكي نناقش الغلاء الذي نعيشه توجد عدة أسئلة مطروحة للمناقشة منها:
ـ هل الغلاء قدر محتم لا يمكن الفكاك منه؟
ـ هل الغلاء ظاهرة عالمية ولا يمكن مواجهته محلياً؟
ـ هل يمكن وضع سياسات لمكافحة الغلاء؟
منذ أكثر من 600 سنة توصل العلامة تقي الدين المقريزي إلي أن الغلاء من فعل البشر وليس مجرد ابتلاء من الله وأن قوانين السوق والإفراط في إصدار النقود هو أحد أساب شدة الغلاء . ووصف المقريزي الشدة المستنصرية وأوضاع المجاعة التي حدثت في مصر في تلك الفترة. لذلك سأعرض في عجالة لمحورين رئيسيين هما:ما هي أساب الغلاء ؟ ، وما هي أساليب مواجهة الغلاء؟
أسباب الغلاء
توجد عدة أسباب للغلاء الذي تعيشه مصر منذ سنوات والذي اشتدت وطأته في السنوات الأخيرة حتى أصبح أكثر من نصف المصريين يعيشون تحت خط الفقر حيث يوجد خلل هيكلي يتمثل فيما يلي :
1 ـ خلل هيكل الاقتصاد المصري وتقلص دور قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي لصالح قطاع الخدمات مثل النقل والتخزين والاتصالات والأنشطة العقارية. ويقدر الناتج المحلي الإجمالي عام 2005/2006 بحوالي 426.1 مليار جنيه 56% منها تأتي من قطاع الخدمات.كما انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من 9.2% عام 1976 إلي 4.4% عام 2003/2004.
ترتب علي ذلك تزايد الاعتماد علي الخارج لتوفير المنتجات الزراعية والصناعية.
2 ـ التحول الاقتصادي من القطاع العام إلي القطاع الخاص بعد أن كان القطاع العام يشكل 85% من الاستثمارات الإجمالية عام 1975 انخفض إلي 65% عام 1995 ثم وصل إلي 57.3% عام 2003/2004 ، بالمقابل ارتفعت مساهمات القطاع الخاص من 15% إلي 35% ثم وصلت 42.7% . تواكب مع ذلك إلغاء التسعيرة الجبرية وإطلاق حرية السوق بحيث يحدد القطاع الخاص الأسعار دون تدخل من الدولة مع منحه المزيد من الإعفاءات الضريبية والجمركية وتجميد البطاقات التموينية والمجمعات الاستهلاكية.
النتيجة انفلات الأسعار دون رقابة من الدولة وظهور الاحتكارات في المواد الغذائية ومواد البناء.
3 ـ زيادة الاعتماد علي الخارج لاستيراد السلع الغذائية والاستهلاكية بما انعكس علي عجز الميزان التجاري الذي ارتفع من 2 مليار دولار عام 1977 إلي 8.6 مليار دولار عام 1997 ثم وصل إلي 10.4 مليار دولار عام 2005. كما تمثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي 50% من الواردات المصرية عام 2004 .وتشكل واردات المواد الغذائية حوالي 23% من إجمالي الواردات المصرية.
يؤدي ذلك إلي خضوع مصر للشروط التي تحددها هذه الدول وانعكاس قيمة الدولار واليورو علي تكلفة الواردات المصرية والحديث عما يعرف بالغلاء العالمي.
4 ـ عجز الموازنة العامة وزيادة حجم الديون المحلية والأجنبية حيث ارتفع عجز الموازنة من 1.4 مليار جنيه عام 1975 إلي 2.5 مليار عام 1995 ثم 12.8 مليار عام 2000 ووصل إلي 58.7 مليار جنيه في موازنة العام الحالي 2007/2008 . تدبر الحكومة العجز بالاقتراض من الخارج والذي بلغ 29 مليار دولار عام 2005 أي حوالي 161 مليار جنيه تدفع الحكومة أكثر من 12 مليار جنيه لسداد الفوائد والأقساط ، كما ارتفعت الديون المحلية حتى وصلت إلي 350 مليار جنيه. كما ارتفع حجم النقد المصدر من 35.6 مليار جنيه عام 1999 إلي 67.7 مليار جنيه عام 2005 .
نتيجة ذلك استولت الحكومة علي 270 مليار جنيه من أموال المعاشات وغرقت في الديون المحلية والأجنبية ، وتوسعت في الإصدار النقدي بدون إنتاج مقابل مما يعني ضخ ورق بنكنوت في السوق بما يساهم في اشتعال الأسعار. وراحت تبحث عن تخفيض قيمة الدعم الغذائي بما يؤدي للمزيد من ارتفاع الأسعار.
تتفاعل هذه العوامل معاً لتزيد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار بحيث أصبح الغلاء ظاهرة يعاني منها غالبية المجتمع ، كما يلعب التضخم دور في إعادة توزيع الدخل لصالح الفئات الأعلى بينما تتدهور أحوال الملايين إلي تحت خط الفقر.كما يتضح أن الغلاء ليس في غالبيته مستورد بل يعود بشكل رئيسي لاختلالات هيكلية وأسلوب إدارة اقتصادية يراعي مصالح رجال الأعمال والرأسمالية المتوحشة والاحتكارات العالمية دون النظر لتأثير ذلك علي الفقراء.
حجم الغلاء
تطور الغلاء بشكل كبير نتيجة الأسباب التي سبق توضيحها ويوضح الشكل و الجدول التاليين تطور معدلات التضخم في مصر.
شهدت مصر موجة من الغلاء استمرت من نهاية السبعينات حتى مطلع الثمانينات وبلغت اعلي معدلاتها عام 1980 واستمرت بعد ذلك طوال التسعينات تم انخفضت إلي أقل من 10% حتى عام 2002 حيث بدأ الارتفاع الذي استمر حتى الآن تواكب ذلك مع تخفيض قيمة الجنيه المصري عام 2003 والمزيد من تحرير التجارة الداخلية والخارجية وظهور الاحتكارات ، ثم إلغاء وزارة التموين .
كما شهدت هذه الفترة تجميد البطاقات التموينية وعدم إضافة المواليد الجدد وتقليص عدد السلع المربوطة علي البطاقات حتى عام 2003 عندما اضطرت الحكومة لزيادة عدد السلع المربوطة علي البطاقات بعد رفع سعر صرف الدولار الأمريكي. كما أن حصار المجمعات الاستهلاكية والتعاونيات الاستهلاكية والجمعيات الفئوية انعكس علي ارتفاع الأسعار .إضافة إلي الخصخصة وبيع شركات القطاع العام وإطلاق أسعار المحاصيل الزراعية والاستيراد بما أدي للمزيد من ارتفاع الأسعار.
يوجه الفقراء من عمال وفلاحين وموظفين ومهنيين معظم دخلهم للإنفاق علي الطعام والشراب والذي يمثل 80% من إنفاق الأسر المصرية.
لقد شهد عام 2008 تفجر أزمة الغلاء بشكل قاسي وطبقاً للبيانات الحكومية التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإنه بين شهري يناير وإبريل عام 2008 بلغ معدل التضخم في مصر 15.8% منها 17.3% في المدن و17.6% في الريف.
ارتفعت أسعار الخبز والحبوب 48.1% وأسعار الخضروات والفواكه 20% وأسعار زيوت الطعام 45.2%. هذا وفق بيانات الحكومة المعلنة وينعكس ذلك بانخفاض الأجور الحقيقية .
لو حاولنا معرفة اثر الغلاء علي دخل العامل نفترض المثال التالي :
إذا كان أجر العامل 100 جنيه شهرياً عام 2000 وحصل علي علاوة سنوية 10% لغلاء المعيشة فإن أجره وصل عام 2008 إلي 214 جنيه أي أكثر من ضعف مرتبه النقدي عام 2000 .
وإذا كان سعر الفرخة عام 2000 حوالي 5 جنيه فإن مرتبه يعادل 20 فرخه ، ولكن مع ارتفاع أجره إلي 214 جنيه ارتفع سعر الفراخ إلي 15 جنيه للفرخة وبذلك أصبح مرتبه لا يشتري سوي 14 فرخة فقط وبذلك فإن دخله الحقيقي انخفض رغم الزيادة التي حصل عليها.نفس الشئ ينطبق علي سعر زجاجة الزيت الذي كان في حدود 3 جنيه وارتفع إلي 11 جنيه فإن المرتب كان بعادل 33 زجاجة زيت بينما مضاعفة المرتب حدث معها مضاعفة سعر الزيت فانخفضت قدرته علي شراء الزيت إلي 19 زجاجة فقط .هذا بالقياس علي سلعة واحدة بينما لو تم القياس علي حزمة من السلع سنجد أن أوضاعنا تدهورت كثيراً.كما أن أسعار الخدمات في ظل الخصخصة وبيع المرافق العامة وارتفاع أسعار المياه والكهرباء وانخفاض الإنفاق علي التعليم والصحة أدي لمزيد من تدهور مستوي المعيشة.
إذا أضفنا لذلك صعوبة الحصول علي غالبية السلع الضرورية ، لقد كان الفقراء يتحايلون علي الحياة من خلال أكلات شعبية مثل الكشري ولكن مع ارتفاع أسعار الأرز والمكرونة والعدس والزيت أصبح طبق الكشري وجبة مكلفة ، كما كان البعض يعتمد علي أكل الفول والبطاطس والباذنجان ولكن مع ارتفاع الأسعار وخاصة الزيت أصبحت هذه الأكلات مكلفة ، لقد امتنعنا عن أكل اللحوم والدواجن والبيض ولكن حتى الفول والباذنجان تحاربنا فيه الحكومة، والخبز نقف له طوابير وعندما نحصل عليه فإما أن يأكل وهو ساخن أو يصبح بعد ساعات غير صالح للاستخدام!!!.
كما أن ارتفاع أسعار بعض السلع يؤدي لارتفاع أسعار عدد كبير من السلع المرتبطة به ، فمثلاً ارتفاع أسعار السولار يؤدي لارتفاع تكاليف النقل ومن ثم ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه الطازجة وارتفاع أسعار المواصلات ، حيث أن ارتفاع سعر الميكروباص 25 قرش نتيجة رفع سعر السولار يعني تخفيض الدخل 15 جنيه شهرياً ، ولو كان لدينا أكثر من فرد من الأسرة يستخدم الميكروباص فإن نسبة انخفاض الدخل سترتفع.
لقد كان جوهر الحركة الاحتجاجية خلال السنوات الأخيرة الاعتداء علي الأجور وتوابعها سواء اجر القطعة أو النصيب من الأرباح أو الحوافز من مصانع النسيج بالمحلة إلي سائقي القطارات ومن عمال الترسانة البحرية بالإسكندرية إلي عمال النقل النهري في إسنا وعلي امتداد مصر وبما يعكس الأهمية المحورية لقضية الأجور والأسعار . لقد عكست التحركات الأخيرة أن أجر القطعة في العديد من الصناعات والمرافق مثل الغزل والنسيج والسكك الحديدية لم تتغير منذ سنوات وتحتاج للتغيير للتواكب والتغيرات التي حدثت في الأسعار ، كما أن المقابل النقدي للوجبة الغذائية لم يطرأ عليه تغيير منذ سنوات فمن غير المنطقي أن تتحمل الطبقة العاملة وحدها تكلفة تحرير الأسواق لتتحول نتائجها إلي المزيد من الأرباح لصالح الحلف الرأسمالي الحاكم وسلطة رجال الأعمال بينما يسقط العمال تحت خط الفقر المترتب علي هذه السياسات.
الطبقة العاملة في مواجهة الغلاء
منذ عرفت مصر الطبقة العاملة وهي تناضل من اجل الأجور ومكافحة الغلاء والحريات النقابية. وبمتابعة تطور الحركة العمالية نجد أن مكافحة الغلاء احتلت مساحة كبيرة من تاريخ عمال مصر منذ إضرابات عمال الكهرباء والغاز ضد شركة " ليبون " الفرنسية في 12 يناير 1920 والذي استمر حتى 16 فبراير غرقت خلالها القاهرة في ظلام دامس وكان من بين مطالب العمال المضربين:أن تضاف علاوة الغلاء إلي الراتب وأن يعطي العمال 30% علاوة غلاء معيشة من جديد علي حساب الماهيات بعد الإضافة ومنح العمال أجازة شهر سنوياً . هذه هي مطالب عمال مصر في العشرينات والتي كانت مقدمة لحركة احتجاجية شملت عمال شركة المياه وكانت شركة فرنسية مطالبين بزيادة الأجور 20% وزيادة علاوة غلاء المعيشة إلي 60% ومنح العمال يوم راحة أسبوعية مدفوع الأجر والعلاج المجاني علي حساب الشركة، وصرف ملابس شغل للعمال.
وعندما أضرب عمال شركة ترام القاهرة طالبوا بعلاوة 20% تضاف للأجر و 20% علاوة غلاء وإنشاء شركة تعاون منزلي للعمال يجمع رأسمالها من أسعار الأسهم والتبرعات والمساعدات وفوائد التأمينات والغرامات، كما طالب عمال كبس القطن بزيادة 50% في الأجور هذا في العشرينات من القرن الماضي .
عندما حدث الكساد الاقتصادي العالمي في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات شهدت مصر موجة من الاحتجاجات العمالية شملت عمال حليج الأقطان وعمال النقل في ميناء البصل وعمال شركة سيارات ثورنيكروفت وعمال الورش الأميرية مطالبين بزيادة الأجور وزيادة علاوة غلاء المعيشة .
خلال الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1942 قاومت الطبقة العاملة موجة الغلاء التي صاحبت الحرب مما اضطر الحكومة لإعلان التسعير الجبري لبعض السلع في سبتمبر 1939 وتشكيل لجان لمكافحة الغلاء وبدأت بعض الصناعات تقدم وجبات غذائية لعمالها لمواجهة الغلاء ، كما قام عمال المحلة الكبري بإنشاء جمعيات التعاون المنزلي كوسيلة لمكافحة ارتفاع الأسعار وجشع التجار . واضطرت الحكومة في يونيو 1941 إلي تطبيق قواعد بإعانة غلاء المعيشة وإعانة الطوارئ للمستخدمين والعمال في الحكومة وتهربت من تطبيق ذلك علي عمال القطاع الخاص الذين اضربوا في شركات الترام والأمنيبوس. واضطرت الحكومة لمناشدة شركات القطاع الخاص بمنح علاوة غلاء المعيشة لعمالها.
واستمرت التحركات العمالية في مواجهة الغلاء في حلوان في يناير 1975 وفي المحلة في مارس 1975 وفي كل أنحاء مصر في يناير 1977 وعلي مدي السنوات التالية.
إن كفاح الطبقة العاملة في مواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار يمتد بتاريخ الطبقة العاملة وعلي مدي أكثر من تسعين سنة ، ولذلك فنحن ورثة تراث كفاحي ونضالي علينا أن نغترف ونستفيد منه لتطوير حركتنا لمواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار. علينا أن نعرف كيف واجه أجدادنا العظماء مثل هذه الموجات في ظل حكومات إسماعيل صدقي والنقراشي وغيرهم من الأسماء التي تحفل بها مزبلة التاريخ.
برنامجنا لمواجهة الغلاء
لكي نواجه الغلاء علينا أن نعرف أن الحد من الغلاء يحتاج لإصلاح اقتصادي شامل يعتمد علي :
ـ إعادة الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية ( الزراعة والصناعة ) وتطويرها وضخ الاستثمارات اللازمة لتحديثها.
ـ زيادة الاعتماد علي الذات من خلال التكامل العربي وتقليل الاعتماد علي الخارج والاستيراد دون ضوابط.
ـ وقف برنامج الخصخصة وتقييم ما تم بيعه ووضع خطة عاجلة لتطوير وتنمية القطاع العام .
ـ فرض ضرائب تصاعدية علي رجال الأعمال ووضع خطط لمواجهة التهرب الضريبي الذي يقدر بمليارات الجنيهات.
ـ وقف الاعتداء علي الأرض الزراعية واستخدام الأسمدة والمبيدات المسرطنة وإعادة الدورة الزراعية لتغطية الاحتياجات الأساسية.
ـ تشديد العقوبات علي المحتكرين لمختلف السلع الضرورية والمضاربين فيها.
ـ وقف خصخصة المرافق والخدمات العامة التي تضر بمصالح جموع المصريين.
ـ عودة الحكومة لتعلب دور في ضبط الأسعار من خلال :
· الإبقاء علي الدعم العيني بالوضع الحالي والحرص علي عدم تسربه لغير مستحقيه.
· إعادة وزارة التموين والتجارة الداخلية واضطلاعها بدورها في ضبط الأسعار والرقابة علي الأسواق.
· إعادة التسعيرة الجبرية لبعض السلع الأساسية.
· إعادة دعم المجمعات الاستهلاكية ونشرها في المناطق العمالية والريفية لتقديم سلع بأسعار مناسبة.
· فتح باب التسجيل والقيد في البطاقات التموينية لكل المستحقين.
· زيادة عدد وكميات الأصناف المربوطة علي البطاقات التموينية.
· دعم التعاونيات الاستهلاكية والإسكانية والزراعية والحرفية.
إن الغلاء ليس قدر محتم لا فكاك منه ولكنه نتيجة لسؤ تدبير الحكام علي حد تعبير المقريزي ، كما انه بنضال وكفاح العمال وإصرارهم في الدفاع عن أجورهم والمطالبة بحد ادني للأجور لا يقل عن 1200 جنيه وإعادة تدرج المرتبات علي أساس سنوات الخبرة.ورفع الحد الأدنى للمعاشات ومنح أصحاب المعاشات علاوة دورية سنوية بجانب إعانة غلاء المعيشة.
إن القضاء النهائي علي الغلاء يحتاج لتغير السياسات والتوجهات الاقتصادية الحالية وإلي أن يحدث ذلك هناك عدد من المتطلبات اللازمة للحد من الغلاء . يبقي أن وحدة الطبقة العاملة وتوحيد قياداتها هو السبيل الوحيد لمواجهة عدوان الرأسمالية المتوحشة ونحن موحدي الصفوف .
عاش كفاح الطبقة العاملة .
إلهامي الميرغني 7/5/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق