اجمع المسئولين الرسميين علي أن مصر لن تتأثر بالأزمة المالية العالمية التي هزت عروش اقوي الدول ، بل وصرح البعض بأن لدينا أنظمة رقابية أقوي من أمريكا وأوروبا . وذكرني ذلك الموقف بشخصية وزير الصحة في فيلم النوم في العسل بعد انتشار العجز الجنسي بين كل سكان مصر بأن تحدث في لقاء تليفزيوني وطالب المواطنين بالوقوف أمام المرآة ثلاث مرات في اليوم مرددين " أنا جامد ، أنا حديد ، أنا زى الفل " وتنتهي الأزمة. نفس الفكرة يرددها جميع المسئولين ورغم كلامهم إننا لن نتأثر والمواطن العادي لن يتأثر نجد وزير المالية يحدثنا عن 15 مليار جنيه إضافي سيتم ضخها في الميزانية لمواجهة الأزمة، وتحدث وزير التنمية الاقتصادية بأن خسائر مصر بحدود 25 مليار جنيه.[1] من الذي سيتحمل هذه الخسائر؟!!
تري ما الذي دفع الأستاذ محمد عطا عبدالوهاب الموجه بالتربية والتعليم في مغاغة إلي قتل زوجته واحدي بناته وإشعال النار في أفراد أسرته؟! [2]هل تأثر بالأزمة رغم كل تصريحات المسئولين؟!!!أم انه انتحر لأنه لم يتأثر!!!
لقد صرح الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية المصري في تصريحات لرويترز إن التأثير المالي للازمة العالمية على الاقتصاد المصري سيكون محدودا ولكنها لن تتفادى على الأرجح التبعات الاقتصادية للازمة.[3]بينما أوضح د. هاني سري الدين أستاذ القانون والرئيس السابق لهيئة سوق المال أن البورصة المصرية كانت من أكثر بورصات المنطقة تضرراً بالأزمة المالية.وأوضح أن تضررها كان كبيرا حيث تراجعت يوم الثلاثاء الأسود 7 أكتوبر بمعدل 16% في وقت كانت فيه معدلات الهبوط في البورصات الأخرى الإقليمية والعالمية ما بين 6 و9%. وأرجع سري الدين ذلك التراجع إلى عوامل هيكلية تتعلق بطبيعة البورصة المصرية، والتي يسيطر على التعامل فيها الأفراد وليس المؤسسات سواء كانوا مصريين أو أجانب.[4] لذلك خسر المئات من صغار المستثمرين تحويشة العمر في البورصة وكانت حالة الأستاذ محمد عطا هي مجرد الجزء العائم من جبل الجليد الذي أصاب صغار المتعاملين.
أشكال التأثير المباشر
ـ بشرنا المسئولين بانخفاض السعر العالمي للمواد الغذائية والحديد وفعلياً انخفضت أسعار بعض المواد الغذائية جنيه و 2 جنيه وفي نفس الوقت ارتفعت أسعار الكهرباء والتليفونات الأرضية وبذلك طالت الأزمة الجميع. إضافة إلي معاودة أسعار الحديد للارتفاع في ظل الاحتكار الحالي والقيود التي يفرضها مافيا الحديد علي الاستيراد . ألا يتأثر بذلك ملايين المصريين، ألا ينعكس ذلك علي صناعة المقاولات وسوق العقار!!!.
ـ توجد معدلات بطالة مرتفعة في مصر تصل إلي أكثر من 9% من قوة العمل وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وبحث العمالة بالعينة لعام 2007 حيث تم تقدير عدد العاطلين بنحو 2.1 مليون عاطل . يضاف إليهم الداخلين الجدد لسوق العمل كل عام والخريجين . كم سيبلغ عددهم في ظل الأزمة التي لم نتأثر بها!!!!
ـ تنعكس الأزمة العالمية علي الكثير من القطاعات الاقتصادية حيث نتوقع انخفاض تدفق السائحين لمصر خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والتي تمثل حوالي 60% من حجم السياحة الوافدة لمصر ورغم نمو أعداد السائحين خلال السنوات الماضية حتى وصل إلي 12.1 مليون سائح عام 2006 إلا أن نسب الأشغال في الفنادق والقرى السياحية لم تتجاوز 62% وتصل إلي 45% في الأقصر 29% في أسوان و44% في الإسكندرية.
ماذا سيحدث لو انخفض عدد السياح من أوروبا وأمريكا بمقدار الربع أي 1.7 مليون سائح هل تستمر الفنادق والقرى السياحية تحافظ علي 135 ألف شخص يعملون بها . ألن تفكر في توفير جزء من هذه العمالة . ألا تتأثر الصناعات والمشروعات المغذية للقطاع السياحي بدء من مصانع الأثاث والمفروشات وانتهاء بالمصانع الغذائية و أفران الخبز . ألا يؤثر ذلك علي دخل الآلاف من المصريين المرتبطين بقطاع السياحة؟!!!
ـ أكد النائب مصطفي السلاب وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب أنه يوجد 1300 مصنع تحت الإنشاء مهددة بالتوقف بسبب الأزمة.[5] كما صرح يحي زنانيري رئيس جمعية منتجي الملابس الجاهزة أن صادرات الكويز ستنخفض بنسبة 20% لأن 95% منها كان يوجه للولايات المتحدة وأوروبا وأن السوق الأمريكي كان يستوعب 65% من الصادرات ولذلك يوجد 200 مصنع ملابس جاهزة ستتأثر بالأزمة.[6]
ـ كما طالب فاروق شلش عضو غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية بضرورة إيقاف الواردات المصرية من الخارج لحماية الصناعة الوطنية حيث أن 20% من المصانع مهددة بالإغلاق .[7] وتشكو 80% من مصانع الوبريات والمفروشات من الإغلاق لأنها كانت تعتمد علي التصدير لدول الاتحاد الأوروبي . كما تراجعت صادرات الأسمدة 15%.[8]
ـ إن انخفاض مصادر النقد الأجنبي سيؤدي لارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه ومن ثم المزيد من ارتفاع الأسعار خاصة للسلع الغذائية والأدوية المستوردة وفي ظل واردات تزيد قيمتها علي 152 مليار جنيه.وفي ظل انخفاض الصادرات وثبات الواردات ولن نقول زيادتها . سيرتفع عجز الميزان التجاري الذي بلغ 61 مليار جنيه عام 2007.
أشكال التأثير غير المباشر
ـ انخفاض تحويلات المصريين العاملين في الخارج حيث كانت تحويلات العاملين في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا تصل إلي 3 مليار دولار في عام 2007/2008 ستنخفض بفعل الأزمة.كما أن تدهور سعر البترول سيؤدي لانكماش وركود في دول الخليج وتخفيض في أعداد ومرتبات العاملين المصريين هناك . ألا يؤثر ذلك علي المواطن المصري؟!!!!
ـ بلغت عائدات المرور في قناة السويس 4.7 مليار جنيه عام 2007 ومع الأزمة وتأثر حركة التجارة الدولية سيقل عدد السفن العابرة بالقناة ، كما أن انتشار القرصنة في البحر الأحمر ينعكس علي الملاحة في قناة السويس وهي من المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي في مصر.
ـ تستثمر البنوك المصرية 5.7 مليار جنيه في بنوك خارجية حتى يونيو عام 2007 [9] كما بلغ صافي الأصول الأجنبية بالبنوك 45.2 مليار جنيه .
ـ تشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول الأزمة 67% عام 2006/2007 منها 4.7 مليار دولار من الولايات المتحدة و 4 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي . هل يستمر تدفق هذه الاستثمارات خلال الأعوام القادمة رغم الأزمة ؟!!!!
ـ يوجد 1067 شركة مصرية خالصة تواجه كارثة الركود في الأسواق السعودية ، كما يواجه رجال الأعمال خسائر فادحة تبلغ 150 مليار دولار معلنة و300 مليار سرية في أسواق العالم. وأن أحمد عز وساويرس من كبار المتأثرين بالأزمة.[10] كما يمتلك محمد فريد خميس مصنعين أحدهما في الصين والآخر في الولايات المتحدة تم تخفيض الإنتاج بهم ويمكن إغلاق احد هذه المصانع. ألا تؤثر هذه الأزمة علي استثماراتهم داخل مصر؟!!!
بعد ذلك علينا أن نصدق تصريحات المسئولين بأننا لن نتأثر بالأزمة وان اقتصادنا جامد .. اقتصادنا قوي .. اقتصادنا زى الفل وزى الحديد. وأن المواطن العادي لن يتأثر بالأزمة!!!
إلهامي الميرغني
eme55@hotmail.com
21/11/2008
[1] ـ جريدة نهضة مصر ـ 2/11/2008
[2] ـ جريدة الأهرام ـ 16/10/2008
[3] ـ وكالة رويتر ـ 14/10/2008.
[4] ـ الجزيرة نت ـ عبد الحافظ الصاوي-القاهرةـ التحديات المصرية لمواجهة آثار الأزمة المالية العالميةـ 22/10/2008.
[5] جريدة الأحرار 4/11/2008.
[6] جريدة العالم اليوم 28/10/2008 .
[7] جريدة البديل 25/10/2008.
[8] جريدة الأحرار 28/10/2008.
[9] البنك الأهلي المصري ـ النشرة الاقتصادية ـ العدد الأول ـ 2008 .
[10] جريدة الدستور 22/10/2008.