الاثنين، 4 فبراير 2008

الشفافية وتداول المعلومات في مصر

الشفافية وتداول المعلومات في مصر

عرف العالم مصطلح الشفافية مع بداية التسعينات وصعود العولمة الليبرالية وثورة المعلومات وتحول العالم إلي قرية كونية.ولكن رغم ما تردده الحكومة وإعلامها الممل ليل نهار دعونا نتأمل الوضع في الواقع المصري.

يمثل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الوعاء الرئيسي للمعلومات في مصر ويمتلك الجهاز بالفعل الكوادر القادرة علي مواكبة ثورة المعلومات ولكن للأسف رغم كل تطورات التقنية الحديثة لم تتطور آليات العمل بل ازداد تخلفها. ولي تجارب شخصية عديدة مع الجهاز منها:
ـ عام 1985 وكانت الهجرة المصرية للخارج في ذروتها كنت اعد بحث لدبلومة الاقتصاد عن هجرة المصريين وتقدمت للجهاز طالباً البيانات . طلبوا خطاب من الدراسات العليا أحضرته وانتظرت حتى صدر قرار من رئيس الجهاز بإعطائي المعلومات المطلوبة وطلب مني سداد رسوم في حدود 160 جنيه وقتها.سددت المبلغ واستلمت ورقتين بهما بيان بأن العمالة المصرية في الخارج 168 ألف بينما كانت الأرقام المتداولة في حدود 2 مليون ولما سألت الموظف المسئول أجاب بأن هذا هو المتاح !!!
ـ تقدمت في العام الماضي للحصول علي بيانات عن المستشفيات الخاصة في مصر وسددت الرسوم المطلوبة ولكنني حصلت علي بيانات 2003 ، وسألت كيف يوجد فرق 4 سنوات حدثت بها تغيرات متعددة وأنا اعد دراسة جدوى لبنك سيقوم بتمويل مشروع مستشفي ولو حصلت علي بيانات غير دقيقة ستكون الدراسة خاطئة وسيتم تمويل مشروع بالخطأ أو حرمان مشروع من تمويل يستحقه.كما يتم إعطاء البيانات في أوراق عريضة تعمل علي أجهزة منقرضة فهذه هي الشفافية!!
ـ لكي نحصل علي بيانات الصادرات أو الواردات يبيع الجهاز البنود الجمركية بالبند ولكل سنة سعر ومن يرغب يشترك في قاعدة بيانات الجهاز مقابل 1.200 جنيه للأفراد ، بينما يمكن في السعودية التي يبلغ فيها دخل الفرد أضعاف الدخل في مصر الحصول علي كامل بنود الواردات مقابل 100 ريال لجميع البنود الجمركية والتصنيفات المختلفة إضافة إلي قرص مدمج يسهل التعامل الاليكتروني مع البيانات.فهل تنقصنا الكفاءة أم تنقصنا الإرادة؟!!

بعد أن عجزت جهود إصلاح الجهاز المركزي لجأت الحكومة لبناء جهاز معلومات جديد هو " مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار " وقاد الدكتور رأفت رضوان تجربة رائدة تؤكد أنه من الممكن بناء كيان معلوماتي متميز لو توافرت الإرادة ويستكمل الدكتور ماجد عثمان قيادة كتيبة متميزة تمثل نقطة مضيئة وسط ظلام المعلومات الحكومية, من الممكن أن نتفق مع بعض نتائج دراسات المركز ونختلف مع أخري ولكن الاختلاف من أرضية العلم والمصلحة العامة والحرص علي مصلحة هذا الوطن.يمكن لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إعطاء الباحث المعلومات ورقية أو علي وسيط إليكتروني وبما يحقق المنفعة المتبادلة. العجيب أن المركز يقوم بإعطاء بيانات وسلاسل زمنية حتى العام الحالي ومصدر العديد منها هو الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ولكن للشفافية في مصر حكم لا نعلمها.

تصر بعض الجهات علي سرية تقاريرها ومنها بنك الاستثمار القومي الذي اضطر لجنة الدفاع عن أموال المعاشات إلي رفع قضية لتمكينه من الإطلاع علي تقارير البنك ومعرفة مصير أموال المعاشات.هذه هي شفافيتنا حماها الله.

رغم كل الضجيج الذي تملؤه وزارة البترول والمجلات الإعلامية المليئة بالمعلومات المضروبة عن رصيد مصر البترولي ، لي تجربة مهمة مع الشركة القابضة للبتروكيماويات حيث تقدمت بطلب رسمي للحصول علي معلومات عن حجم الاستثمارات في القطاع وفرص الاستثمار المتاحة من خلال البيانات المنشورة وإنني مستعد لسداد الرسوم وظللت أتردد علي الشركة القابضة أكثر من 6 شهور دون فائدة. هذا نموذج آخر للشفافية المصرية.

" عندما تريد الحصول علي معلومات عن مصر عليك بتقرير السفارة الأمريكية " هذه نصيحة من باحث مخضرم اتمسك بها ، واذكر عندما كنت اعد دراسة حول أموال التأمينات وتعرضت لموضوع الديون المحلية إلي الناتج المحلي الإجمالي . لم أجد سوي موقع المخابرات المركزية الأمريكية لأجد عليه كل ما احتاج وحتى الشهر الماضي ، هذه هي الشفافية !!1

إنني أدعو المهتمين للدخول لموقع مركز معلومات مجلس الوزراء ليجد دراسات عن تضارب أرقام التجارة الخارجية والسياحة كل وزارة أو جهة تعطي رقم مختلف فهل هي وزارات في دولة واحدة أم كل شيخ يعمل بطريقته ، وكيف يطمئن صانع القرار لصدق هذه المعلومات؟!!!نفس الشئ ينطبق علي بيانات الصناعة والزراعة والتعليم والصحة ، فوضي عارمة لا تساعد علي اتخاذ أي قرار سواء من المستثمرين أو من الحكومة.

الأعجب من ذلك أن رئيس الوزراء يعلن أن رقم دعم الغذاء يبلغ 15 مليار جنيه بينما الرقم المسجل في الموازنة التي قدمها هو بنفسه لمجلس الشعب تتحدث عن 9 مليار جنيه فلماذا الكذب؟ وعندما تتحدث وزيرة القوي العاملة بأنه لا توجد لدينا بطالة بينما كل الأجهزة الحكومية تتحدث عن رقم بحدود 2.2 مليون متعطل وتصل في تقديرات أخري إلي 6 مليون متعطل . لماذا يكذب المسئولين ولماذا لا يتفقون علي الأرقام والبيانات التي يعلنونها؟!!!!


إن الشفافية ليست مجرد شعار خالي من المضمون ، وليس مجرد بيانات مضروبة ، ولكنها حقائق لمصلحة الوطن. المستثمر بحاجة لمعلومات دقيقة ليوجه استثماراته بشكل صحيح ، والمسئول يحتاج معلومات دقيقة ليتخذ قرار بشكل صحيح ولكن حين تغيب الحقيقة يغرق الجميع.

إن تداول المعلومات والبيانات حق من حقوق الإنسان بحكم كافة المواثيق ، فلا يجب أن نتجه لإذاعة لندن أو إسرائيل لنعرف حقائق عن أنفلونزا الطيور مثلاً فذلك العهد مضي ولن يعود ، وإذا لم تتحقق الشفافية بشكل حقيقي سيغرق الجميع فمن المسئول الرئيسي لنحاسبه ، أم هي مسئولية مشتركة للنظام بكافة مؤسساته وأجهزته. إن الشفافية أسلوب عمل ومنهج ولكن يبدوا أن الحكومة تفهم إنها الملابس الشفافة في كليبات الأغاني فقط وتلك هي المشكلة!!!

إلهامي الميرغني
3/2/2008
eme55@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: