الأحد، 1 نوفمبر 2009

هرطقة يسارية


أنا لست أحسب بين فرسان الزمان
إن عُد فرسان الزمان
لكن قلبي كان دوماً
قلب فارس
كره المنافق والجبان
مقدار ما عشق الحقيقة
نجيب سرور


السياسية في مصر مواسم مثل الخضروات والفاكهة ، فكما يوجد لدينا موسم البطيخ وموسم المانجو وموسم البرتقال . يوجد أيضا موسم مجلس الشعب وموسم انتخابات الرئاسة وموسم مناصرة غزة وموسم مناصرة الأقصى.وكما أن الحوادث في مصر متتالية مثل كل بلدان العالم نجد قضايا تطفو علي السطح فيهتم بها الإعلام والسياسيين وتظل تلوكها الألسن لأيام أو أسابيع ثم تذبل وتخفت وتختفي.والآن لدينا موسم النقاب وحرب الشيخ طنطاوي والشيخ صفوت من ناحية وموسم قطار العياط من ناحية أخري.
بعد أن فشلت الأحزاب عن تقديم الجديد وعجزت علي أن تكون أحزاب جماهيرية حقيقية ظهر لدينا فيروس الحركات والائتلافات. ربما يراها البعض ظاهرة ايجابية، وكما يعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن مصر تزيد مولود كل 27 ثانية ، نجد المعارضة تلد ائتلاف كل 27 يوم ، الغريب أن هذه الائتلافات تضم نفس الشخصيات المحترمة ونفس الرموز المشرفة ولكن سرعان ما تذبل هذه التجمعات وتخفت ثم تختفي .
ظهر لدينا في الشهور الأخيرة عدة أشكال ائتلافية جديدة مثل جبهة لا لبيع مصر ، حركة البديل الشعبية، ائتلاف المصريين من أجل التغيير ( كفاية المعدلة) ، وأخيرا الحركة المصرية ضد التوريث "ميحكمش". وهي تذكرني بمواسم البطيخ والبرتقال رغم احترامي وتقديري لعديد من رموز هذه الحركات وصدق نواياهم وإخلاصهم لأفكارهم.
علي الجانب الآخر من المشهد السياسي المصري نجد احتجاجات اجتماعية متصاعدة من فلاحي الإصلاح الزراعي إلي سكان العشش والعشوائيات إلي قري العطش ومن عمال القطاع الخاص لموظفي الحكومة ومن عمال القطاع العام إلي الأطباء وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات.كل يوم احتجاج جديد وإضراب واعتصام وتجمهر وامتناع عن القبض ووقفة احتجاجية بشكل لا يخلوا منه يوم. تري في أي مجري تصب هذه الاحتجاجات الاجتماعية في اتجاه الأخوان المسلمين أم ائتلاف التغيير أم لا للتوريث ؟! أم أنها تتم بمعزل عن كل ذلك.
أين شباب 6 ابريل والمدونين الشبان من هذه التحركات وهذه الائتلافات. شباب 6 إبريل يعدون لعقد مؤتمر علي هامش مؤتمر الحزب الوطني لطرح الرؤية الشعبية لمستقبل مصر بواسطة مجموعة من الخبراء المتخصصين في مختلف المجالات بينما ترسل الأحزاب الديكورية ممثليها لافتتاح مؤتمر الحزب الوطني لنعرف من هم مخلفات العهد الماضي ومن هم مستقبل مصر الواعد؟! وأردد مع مظفر النواب:
لا تلم الكافر
في هذا الزمن الكافر
فالجوع أبو الكفار
مولاي
أنا في صف الجوع الكافر
مادام الصف الآخر
يسجد من ثقل الأوزار
تري أين مستقبل التغيير الحقيقي الجذري في مصر، مع الائتلافات السياسية القاهرية أم مع الاحتجاجات الاجتماعية العفوية؟! لقد كتبت في 6 ابريل أن ما حدث كان شهادة وفاة لكل الأحزاب المصرية وان عمرها الافتراضي انتهي وأصبحت غير صالحة للاستعمال ومكانها متحف القلعة أو لقاءات السيد صفوت الشريف معهم وتوزيع الحصص الانتخابية!!!
ظلت أفكار الكفر والهرطقة تطاردني أن احدد مكاني مما يحدث ، وظلت كلمات شاعري المفضل محمد سيف تطاردني:


" يا دي العمي المرسوم علي جباه السلف
هل من أدين بقيت ، ما صابهاش التلف!
دول كانوا إن قالوا
يلوطوا في الحكمة ،والأفكار
ماتوا ومات وقتهم
ما حصدوا غير العار
لا شقت الأسوار حكايتهم
ولا السما بكيتهم
ولا مجدتهم في السكك أشعار
ماتوا مابقوا كلمة مسموعة
ولاراية مرفوعة
ماتوا وكانوا كتار
منذ أكثر من 35 سنة أخشي أن يصل بي الحال في نهاية حياتي إلي مصير من نعاهم لنا محمد سيف في مطلع السبعينات.وبما اننا نخسر كل يوم رفيق أو صديق ، وبما أن ليالي العمر الباقية معدودة علي رأي فاتن حمامة فقد قررت الجهر بالكفر السياسي بما يحدث.
أقر واعترف وأعلن وأنا في كامل قواي العقلية أنني غير مكترث بمعركة التوريث لأن احمد زى الحج أحمد وعيشة زى أم الخير المهم هو اقتلاع هذا النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي الفاسد التابع من جذوره ولا تفرق معي من سيكون الرئيس القادم حتى لو كان أحمد شوبير أو عصام الحضري لأنهم سينفذون نفس السياسات ويستمرون في نفس الانحيازات وأنا لي سياسات أخري وانحيازات مختلفة. ولأن الناس في بلادي لا يهمهم جمال واللي خلفوه ومهمومين بأكل العيش ومحدش هيروح يصوت لأن النتيجة معروفة والناس فاهمة كل حاجة.
وكمان أنا مش مع غزة ولا الأقصى لأن دي قضية لن أفيد فيها طالما بقيت كامب دافيد وطالما بقيت للعدو الصهيوني سفارة في قلب القاهرة وعلم يدنس سماء مصر ومصالح اقتصادية مشتركة بين رؤوس النظام والكيان الصهيوني.
ما يشغلني ويؤرق نومي هو كيف يتم نظم كل الاحتجاجات في مجري واحد يضم موظفي الضرائب العقارية ومنتفعي الإصلاح الزراعي ، ويضم شباب 6 أبريل واتحاد أصحاب المعاشات والمدونين ولجنة الدفاع عن المعاشات، ويضم حركات المعلمين و9 مارس وأطباء بلا حقوق مع اللجنة التنسيقية العمالية وشباب تضامن ، ويضم احتجاجات قري العطش ومرضي التأمين الصحي وسائقي التوك توك وسكان الدويقة وإداري التربية والتعليم.
لا تشغلني معركة التوريث ونصرة الاقصي لأن الحلم في وطن حر سيكنس كل ذلك ويوم تسقط كامب دافيد تتغير موازين القوي بما يدعم فلسطين بشكل حقيقي.لقد قررت مقاطعة كل المواسم وجعل العام كله موسم واحد شعاره التغيير الشامل اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً، وحكم الفقراء من عمال وفلاحين وموظفين وحرفيين.
كل ذلك بحاجة لحزب سياسي من نوع جديد، حزب ينظم كل هذه الحركات والاحتجاجات ويصنع منها المستقبل.هل يمكن أن يتحقق ذلك لكي لا تنطبق علينا قصيدة محمد سيف السابقة. إنني لازلت أعيش الحلم.
يا بلادي
والإصباح عيون وأيادي
إذا ما عدي ع الوادي
حايزيح قصاده كل ليل ميت
تتفتح الأبواب
تدب الرعشة في عروقها لنور الشمس
حانغني ،كما لوكنا بنغني لأول مرة
ونحب كما لوكنا ما حبينا بالمرة
يتقابلوا لأصحاب بعد غيبة طويلة
نفس الايدين المعروقين
نفس العيدان النحيلة
اللي حاترسم من جديد
سكة حياة.. للوطن


إلهامي الميرغني
29/10/2009




ليست هناك تعليقات: